دوافع كثيرة قد تكون رسّخت مضمون الخطاب الذي خرج فيه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إزاء التطورات في قطاع غزة واستمرار العدوان الإسرائيلي. عملياً جاء الخطاب بعكس كل حملات الترويج التي سبقته، سواء بما يتعلق بالفيديوهات التي نشرت لأمين عام حزب الله، والتي تستند إلى آيات قرآنية تشير إلى الحرب، أو من خلال الحملات التي عملت أوساط الحزب على القيام بها والأجواء التي أوحت وكأنه سيدخل الحرب بشكل موسع.

أبقى نصرالله على المعادلة نفسها في جنوب لبنان، ضمن قواعد الاشتباك، مع رفعه لمعادلة سياسية جديدة عنوانها التشديد على ضرورة وقف إطلاق النار، وانتصار حركة حماس. وهذا كلام أراد من خلاله الرد على الأميركيين والإسرائيليين وموقفهم بضرورة سحق حماس عسكرياً.

Ad

الجديد في كلام نصر الله هو تهديده للأميركيين بأنه في حال لم يتوقف إطلاق النار فإن الجبهات كلها قد تفتح ويتم توسيعها. عملياً يبقى هذا الموقف خاضعاً لتطورات الوضع في قطاع غزة، علماً أنه لا يخفى على أحد تكثيف العمل السياسي والدبلوماسي العربي مع الأميركيين في سبيل الوصول إلى اتفاق هدنة إنسانية وإدخال مساعدات، والتفاوض في سبيل إطلاق سراح الرهائن. وهنا تتفرع من ذلك وجهتا نظر، الأولى تقول إن هذا الأمر بحال تحقق سيؤسس إلى فتح مسار سياسي جديد لتجنب التصعيد والوصول إلى حل سياسي، لكنه سيكون بحاجة إلى وقت.

أما الثانية فهي احتمال استئناف العمليات العسكرية البرية الإسرائيلية بعد إطلاق سراح الرهائن وذلك لاستمرار العملية العسكرية الى حين تحقيق أهدافها.

في حال أصر الأميركيون والإسرائيليون على موقفهم حول ضرب حماس وإنهائها عسكرياً، فإن ذلك سيتسبب بإحراج أكبر لإيران وحزب الله، إذ لن يتمكنا من الوقوف على الحياد أو الالتزام بالمعادلة التي رفعها نصرالله، طالما أنه رفع شعار انتصار حماس.

ما يجري وفي ضوء كلام نصرالله الذي أثنى فيه على تدخل الحوثيين والفصائل العراقية في ميدان المعركة، يؤكد ما كانت ذكرته «الجريدة» قبل فترة، حول أن ايران تفضل تجنيب حزب الله التدخل. بدا نصر الله في كلامه حول الجبهة اللبنانية ووصفها بأنها إسناد ودعم لغزة، وكأنه يتطابق بشكل متأخر مع مواقف الكثير من اللبنانيين والعرب الذين كانوا يعتبرون لبنان كذلك، بخلاف موقف حزب الله الذي شدد دوماً على أن لبنان هو في الخط الأول للمواجهة.

عملياً، فما بعد كلام نصر الله سيعمل حزب الله على تكثيف عملياته ضد المواقع الإسرائيلية، ولكن وفق الآلية نفسها، إذ أعلن أن الجبهة ستبقى مفتوحة، لكن الأكيد أن لا نية بتوسيع الجبهة أو الدخول في حرب مفتوحة أو واسعة. وهذا سيكون مترافقاً مع كل ما يدور من مساع سياسية لوقف إطلاق النار. في هذا السياق، فإن إيران وحزب الله سيكونان على خيط رفيع، خصوصاً في ظل القوات العسكرية الأميركية ذات الهدف الردعي، وحتماً لن تدخل إيران في الصراع، لأن التهديدات الأميركية واضحة في استهدافها مباشرة.

كل هذه المعادلات تسنح للإسرائيليين الاستفراد بغزة، وتركها لمصيرها إلا في حال نجحت المساعي العربية بالوصول إلى تسوية لوقف إطلاق النار، دون ذلك لا يبدو حزب الله في صدد الدخول بالحرب الواسعة لأنه يعلم تداعياتها على لبنان، وكذلك من غير الوارد لإيران بأن تذهب باتجاه الحرب الواسعة إقليمياً لانها ستكون معرضة للضرب، كما أن التراجع واضح في مضمون المواقف الإيرانية ولا سيما لدى وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان. ما يجدر السؤال عنه في المرحلة المقبلة يرتبط بإمكانية حصول اتفاق ضمني بين إيران وأميركا على عدم تدخل «محور الممانعة» في الدفاع عن حماس وغزة، مقابل أثمان سياسية أخرى في المنطقة.