أطفال غزة المجانين
هو الوصف الذي وصف به شاعر القمة العربية أطفال الحجارة في يناير 1988 تحت عنوان «الغاضبون»، ننقل منها بعض ما قاله فيما يلي:
يا مجانين غزة... ألف أهلا
بالمجانين إن هم حررونا
علمونا كيف الحجارة تغدو
بين أيدي الأطفال... ياسمينا
وكيف تغدو دراجة الطفل لغما
وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب إذا ما
اعتقلوها... تحولت سكينا
بين شقوق الأرض الخراب طلعتم
وزرعتم جراحنا نسرينا
إلى حمقى الإحباط
من مقدمي إعلامنا المرئي الميامين، وقد وصف كبيرهم في قناة القاهرة والناس، الذي علمهم السحر، أبطال المقاومة البواسل بالحمقى، وهو ومن على شاكلته أولى بهذا الوصف، ولا أجد ما أقوله لهم أفضل وأبدع من أبيات قمة الشعر العربي نزار قباني، معدلة على مقتضى الحال، التي يقول فيها:
أنتم أهل الحساب والجمع والطرح
فخوضوا حروبكم واتركونا
لا تخافوا موسى.. ولا سحر موسى
واستعدوا لتقطفوا الزيتونا
علمنا الأطفال فن التثبت بالأرض
وألا نترك المسيح حزينا
إن هذا العصر اليهودي
وهمٌ سوف ينهار لو ملكنا اليقينا
وقد لزمنا جحورنا
وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنّينَا
إن عصر العمل السياسي.. ولَّى من زمان
بعد أن علمنا أطفالُنا الجنونا
وقد أصبح أطفال الحجارة أبطال المقاومة الفلسطينية وفرسانها الأشاوس في طوفان وملحمة الأقصى، فعلمونا ما نسيناه حكاماً ومحكومين من أن هذا الدعم اللا محدود للعدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة وعلى أهلها ومقدساتها، من حكومات الدول العظمى والغربية والاستعمارية في الزمن الغابر، ومن أسلحة التدمير والإبادة الجماعية ومن أموال تتدفق بالمليارات على هذا العدوان في طغيانه وقتله للمدنيين من شيوخ وعجائز وأطفال ونساء، ومن هدم للمستشفيات، ومن تدمير للأبراج السكنية والمساجد، بأن كل هذا جرائم حرب لم يشهد لها التاريخ مثيلا.
إسرائيل قاعدة الاستعمار الجديد
فالدعم اللا محدود للامبراطوريات الاستعمارية، الذي تقدمه أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول أوروبا، ودول الاستعمار القديم، يرجع إلى أن إسرائيل هي قاعدة استيطان عسكري للإمبراطوريات الاستعمارية القديمة في توسعها الاستعماري الجديد القائم على استغلال الشعوب، والحيلولة بينها وبين التقدم والتنمية المستدامة واللحاق بالمعسكر الغربي في تقدمه اللامعقول.
فأميركا، إمبراطورية العصر، نشأت من مهاجرين ومغامرين وفدوا من الدول الاستعمارية لاستيطان القارة الجديدة، وإبادة سكانها الأصليين من الهنود الحمر، فالتاريخ يعيد نفسه، وإسرائيل القاعدة الاستيطانية للاستعمار الجديد تبيد الفلسطينيين، والإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية، قد مارستا استيطاناً مماثلاً في البلاد التي احتلتاها، فهي عقيدة استعمارية واحدة راسخة في أنظمة الحكم الداعمة لإسرائيل.
الأسياد والعبيد في حرب غزة
ويرتبط بمفهوم الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، في جذوره الممتدة إلى حكومات الدول الاستعمارية، سواء أميركا أو بريطانيا أو أوروبا، مفهوم ثقافي آخر، رسخ في وجدان المستوطنين الإسرائيليين بأنهم سادة، وأن الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين هم عبيد، وهو مفهوم ثقافي أيضاً كان راسخاً في الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، حيث قامت ثورة العبيد التي قادها سبارتاكوز، الذي كان قد نال خبرة عسكرية أثناء خدمته في قوة فرعية في الجيش الروماني عندما هرب من سجنه في مدرسة لتدريب المصارعين برفقة 70 عبداً كانوا يتلقون التدريب كي يصبحوا مصارعين، يقتل بعضهم بعضا للترفيه عن الأسياد الرومانيين، واستطاع سبارتاكوز وجيشه والفلاحون العبيد المعدمون ورعاة السهول في جنوب إيطاليا أن يقهروا جيشين رومانيين، ولم تقض الإمبراطورية الرومانية على هذه الثورة إلا بعد سنتين كاملتين، وقد قامت الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب التي استمرت 4 سنوات من 1861- 1865 لتحرير العبيد.
حيث کانت الولايات الجنوبية زراعية، يقوم نظامها الاقتصادي والاجتماعي على المزارع والرق، أما الولايات الشمالية فكانت لها مواردها الزراعية الغنية، وتفوقها التجاري وصناعاته النامية، فانفصلت الولايات الجنوبية عن الاتحاد (1860- 1861) بعد انتخاب أبراهام لينكولن رئيساً للولايات المتحدة، وعقب انتصار الشمال أعلن لينكولن تحرير العبيد، وبلغ عدد ضحايا هذه الحرب من الأميركيين نحو 600 ألف رجل، ولم تخمد نار الكراهية والتعصب في أميركا حتى الآن.
لذلك فإن المفهوم الثقافي الاستعماري لعبيد الأرض المحتلة، لا يزال يسيطر على الحكومات المتعاقبة من الحزبين، سواء الديموقراطي أو الجمهوري، فضلا عن نفور، المنظمة اليهودية (أيباك) التي لها تأثيرها على نتائج الانتخابات في بعض الولايات.
فالمفهوم الثقافي لأنظمة الحكم في الدول الداعمة، عسكريا وماديا ومعنويا، لإسرائيل يرتد إلى جذوره في استعمارهم للشعوب الأخرى، ولأهلها، واعتبارهم عبيداً، لا حقوق لهم.
المفهوم الثقافي يتجمل
إن المفهوم الثقافي الذي يفرق بين الأسياد والعبيد قد أصبح يتجمل الآن، بوصف عبيد الأمس بأنهم الإرهابيون، ووصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وأن العالم الغربي ينتفض للقضاء على الإرهاب الإسلامي.
وقد عبرت مارغريت تاتشر إبان رئاستها للحكومة البريطانية عن ذلك عندما طلبت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الحفاظ على حلف الأطلنطي (الناتو) لمواجهة الخطر الإسلامي، لهذا لم تعبأ أميركا وحكومات دول الغرب بالدم الفلسطيني الذي خضب أرض غزة، ودم الأطفال والشيوخ والنساء في جرائم حرب لم ير العالم مثيلها، لأنه دم عبيد أما الدم الإسرائيلي فهو دم الأسياد الذين يحاربون الإرهاب! دم شعب الله المختار.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.