تساءلت السيدة فارعة السقاف: أي إعلام هذا وهي تتحدث عن التهديد الذي وصلها على إنستغرام؟ أو على منصات اجتماعية تمارس أبشع أنواع القهر والتسلط على حرية الرأي؟
ما حصل مع السيدة فارعة، تكرر مع الناقد والمخرج السينمائي فاروق عبدالعزيز لأنه تجرأ على القول إن عقيدتنا القتالية هي المقاومة ومعجزة الصبر والإيمان مع صور لأطفال ملطخين بالتراب يرفعون العلم الفلسطيني، ومئات الآلاف من مستخدمي منصة «ميتا» و«يوتيوب» والتي حذفت حسابها وأغلقته لأنه «ينتهك ويتعارض» مع إرشاداتهم بشأن «المنظمات الخطرة»، ولأن سياستهم تقوم على عدم السماح لأي أنشطة تضعها تحت هذا التصنيف.
حرب غزة كشفت أقنعة الكثيرين، وعلى رأسهم العالم الحر، وادعائهم الدفاع عن حقوق الإنسان والبشر دون اعتبار لأي دين أو دولة أو عرقية، ولننظر إلى ما فعلته الناشطة السقاف ونرى «الجريمة» التي اقترفتها حتى يتم غلق حسابها على إنستغرام مع مئات الآلاف الذين تعرضوا إلى الموقف نفسه!
وضعت في حسابها أغنية وطنية مرتبطة بالإعلامي وائل دحدوح وكلمته المؤثرة التي نطق بها وهو جاثم على ركبتيه لدفن أبنائه وأطفاله المدنيين والأبرياء من جراء قنابل حارقة ألقتها الطائرات الإسرائيلية على سكان غزة... الأغنية تبدأ بكلمة «معلش».
ما بيقدروا عا رجالنا..
بينتقموا من الأولاد..
والله ما نترك دارنا..
إحنا أهل البلاد
الفيديو المتداول يعرض الضحايا وصورة وائل دحدوح، حاولت أن أقترب أكثر من القصة، فلم أجد ما يدل أو يشير على فعل «الإرهاب» أو ما له علاقة بالإرهاب من قريب أو بعيد! صورة وأغنية وطنية أرعبتهم جعلتهم يقيسون حرية التعبير بمسطرة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ففقدوا البوصلة، وقلبوا الحقائق، وضللوا الناس، وظهروا على حقيقة انحيازهم وعمى الألوان الذي أصابهم ولم يعودوا يميزون بين طفل بريء يسقطون على رأسه أكواماً من الحديد والإسمنت فقط لأنه فلسطيني يعيش في غزة وبين موقفهم السياسي الذي تلطخ بالبشاعة والدناءة.
هناك خلط متعمد في الإعلام الغربي وفي منصات التواصل الاجتماعي بين حركة فلسطينية وطنية «مؤدلجة إسلامياً» وبين «داعش»، فالمقارنة ليست خاطئة فقط بل ظالمة، وتتنافى مع أبسط حقوق الإنسان وأرضه وبلده محتل، لذلك هم منخرطون تماماً، أعني معظم الإعلام الأميركي والأوروبي في تشويه الحقائق وخوض معركة إسرائيل بالنيابة عنها تحت حجة السماح لها بأن تقتل وتشرد وتهجر الشعب الفلسطيني «للدفاع عن النفس»!
قالها الأمين العام للأمم المتحدة، ما فعلته «حماس» لم يأت من فراغ، ولم يقلها الرئيس بايدن أو يعترف بخطيئته أو يتراجع عنها، لأنه قادم على خوض معركة رئاسة الجمهورية ويحتاج أصوات اللوبي اليهودي لتأمين فوزه حتى إن كان على حساب شعوب مظلومة وأرضها محتلة، تطالب بأبسط أنواع الحماية والعيش!
بدون مجاملة ولا مبالغة «إنستغرام» الوجه الحقيقي لسياسات دول عظمى تتجاهل مواثيق دولية وتتلاعب بها وفقاً لمصالحها وأهوائها بعيداً عن شيء اسمه «عدالة دولية»، فالموضوع لم يعد يحتاج إلى طمطمة أو أنه خطأ غير مقصود، بل واضح الدلالة والإدانة، فهم يصنفون «حماس» حركة إرهابية كما تفعل إدارة بايدن، ولذلك هم يتبعونه ويعملون وفق أجندات تقيس بمكيالين، فالحرية ثوب فضفاض، يفصلونه على مقاساتهم، اليوم إرهاب وغداً تحرر؟ فمثلا استقبلت إدارة الرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات من القرن الماضي «المجاهدين الأفغان» في البيت الأبيض وهم من حركة طالبان لأنهم كانوا يحاربون ضد الاتحاد السوفياتي انقلبوا عليهم فيما بعد وتحولوا إلى وحوش وإرهابيين!!
نتنياهو يصفي الفلسطينيين في حرب إبادة لم تعرفها البشرية من قبل، بعد أن تمت تصفية القضية الفلسطينية على يد «أنظمة عربية وقيادات فلسطينية»، واليوم نشهد مأساة أخرى لا تقل بشاعة عن القتل والتدمير والإبادة وهي التحكم بمعايير الإرهاب وحريات الشعوب والتعبير عن الرأي على مقياس «إنستغرام»!