تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية منذ هجوم 7 أكتوبر، ويوماً بعد يوم يتجاوز الإسرائيليون قواعد الاشتباك، إما من خلال تعميق مجال استهدافاتهم، أو قتل المدنيين الأبرياء، وكان آخرهم ثلاث طفلات مع جدّتهن على طريق بلدة عيناثا القريبة من الحدود.
وقبل هذه المجزرة، استهدف الجيش الإسرائيلي، صباح أمس الأول، فريق إسعاف طبي من «كشافة الرسالة» كان قد توجه لإجلاء مصابين من «حزب الله».
وتمثل هذه الاعتداءات تطوراً خطيراً من قبل تل أبيب، خصوصاً بعد تهديد الأمين العام للحزب حسن نصرالله بالعمل وفق معادلة مدني مقابل مدني. وقال الحزب إنه رد على جريمة عيناثا بإطلاق صواريخ غراد باتجاه مستوطنة كريات شمونة، وهي المرة الأولى التي يستهدف فيها الحزب مستوطنات منذ «حرب تموز» في عام 2006، إذ كانت كل استهدافاته السابقة لمواقع عسكرية إسرائيلية وليس لمناطق فيها مدنيين.
وبحسب ما تشير المعلومات، فإن رد الحزب على استهداف المدنيين لم يكتمل، وسيكون هناك رد موجع، مما يعني أن الاحتمالات لا تزال مفتوحة على التصعيد. ومساء قالت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة حماس، إنها أطلقت 16 صاروخا من لبنان باتجاه نهاريا وشمال حيفا. وهذه المرة الاولى التي تستهدف فيها مدن بهذا العمق في الداخل الإسرائيلي.
يأتي ذلك في ظل المساعي اللبنانية الرسمية لتجنب الحرب وتوسيع الصراع من خلال جولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على دول عربية عديدة، إضافة إلى الرهان اللبناني على نجاح المساعي العربية للوصول إلى وقف لإطلاق النار. وقال وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لشبكة سي إن إن إن الدولة تتواصل مع حزب الله لمنع توسع الحرب.
وبانتظار ما سيقوله نصرالله في كلمته الثانية منذ بدء الحرب والمقررة السبت المقبل، تزامناً مع انعقاد القمة العربية في الرياض، تتزايد الأسئلة إذا ما كانت إسرائيل تحاول استفزاز الحزب لتوسيع نطاق الجبهة؟ ويرى البعض أن إسرائيل بهذه الطريقة تستدعي وقوفاً أميركياً عسكرياً إلى جانبها، كما قد تسعى إلى أي انجاز عسكري على جبهة لبنان، حيث هي اكثر استعدادا إذا انسدت الآفاق أمام هجومها العسكري في غزة.
وهناك قراءة تشير إلى أن إشعال حرب إقليمية أو تصعيد الجبهات من قبل «محور الممانعة» سيؤدي إلى تعزيز أوراق إسرائيل وإعادة اعتبارها في خانة «المُعتدى عليها» من قبل أكثر من طرف، كما أنه سيجعل الصراع إقليمياً بين إيران وإسرائيل، مما يضعف موقف حركة حماس والفصائل الفلسطينية وتحويل الأنظار عن القضية الفلسطينية ودفاعهم عن وجودهم وبقائهم لمصلحة انخراطهم في صراع إقليمي. وترى هذه القراءة أن هذا بالضبط ما حاول الأمين العام لحزب الله التنبه له في خطابه يوم الجمعة الماضي، اذ لم يعلن الانخراط في الحرب، وأبقى «حماس» في موضع الدفاع عن النفس والصراع في سبيل القضية الفلسطينية، وبذلك حقق 3 نقاط، أولها حماية لبنان، وثانيها حماية بنية حزبه العسكرية والإبقاء عليها، وثالثها نزع أي ذريعة للإسرائيليين لتصعيد هجومها الوحشي، وبالتالي زيادة منسوب الضغوط عليها.
في هذا السياق، يؤكد أحد القياديين البارزين في حركة حماس أنه ليس من مصلحة الحركة أن تدخل إيران وقواتها وحلفاؤها وبما فيهم حزب الله في المعركة بشكل كبير، لأن ذلك سيؤدي إلى إضعاف «حماس» سياسياً ودولياً.
الأكيد أنه لا رغبة أميركية في توسيع الحرب، فيما تتضارب التوجهات حول الموقف الإسرائيلي، بين من يعتبر أن إسرائيل لن تجرؤ على توسيع الحرب من دون موافقة الأميركيين، وبين من يرى أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو تحديداً قد يلجأ إلى توسيع الجبهة واستدراج حزب الله إليها ليستفيد من الدعم الاميركي ضد الحزب، كما أنه يعيد تحويل إسرائيل إلى ضحية محيط إقليمي عدائي وليس قوة احتلال تقتل مدنيين، كما يحدث في غزة بردّ فعل انتقامي على هجوم تعرّضت له.