ماذا فعل «الطوفان» بمزدوجي الجنسية؟
ارتدادات «الطوفان» مازالت تتواصل داخل المجتمع الإسرائيلي وأحدث ملامحه، هجرة «مزدوجي الجنسية» والعودة إلى البلدان التي جاؤوا منها ويحملون جنسيتها.
إسرائيل الموعودة سوّقت نفسها أمام يهود العالم أنها واحة الأمن التي يفتقدها حيث يعيش، فهي بالأساس قامت على عمليات تهجير وهجرة جماعية إلى «أرض الميعاد» ومن منطلقات دينية أيديولوجية، فقد استدعت «التوراة» لتخوض حرباً إلهية على أرض فلسطين، وكان لها ما أرادت، وهذا ربط بما تم تدوينه بالعهد القديم بأن مجيء إبراهيم مع عشيرته إلى أرض كنعان حوالي عام 1800 قبل الميلاد، هو تحقيق لأمر من الله.
ما حدث من آثار للحرب الضروس التي تجاوزت الثلاثين يوماً أنها أفرغت المستوطنين وبالآلاف من حدود «غلاف غزة»، ومن الجليل الأعلى إلى أماكن داخلية أكثر أمناً.
الأخطر من ذلك، وقد تكون عملية إجلاء المستوطنين حماية لهم بشكل مؤقت، أن يفقد المواطن الإسرائيلي الشعور بالأمان، وهذه أهم مفاعيل حرب غزة، نتحدث عن ساكني المدن الكبرى الذين أصابهم الذهول مما حدث وشاهدوه بأم العين أن إسرائيل، وهذا الجيش الجبار الذي لا يقهر يتحول إلى ما يشبه سكون مياه البحر الميت، طوال 24 ساعة، وتسقط هيبته أمام مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين.
تم ضرب فكرة «الكيان الآمن»، أي أن أهم أركان بناء الدولة اليهودية سقط أو على الأقل تخلخلت قواعده لدى اليهود الذين تم تجميعهم من أصقاع الدنيا وبما فيها «داغستان» الروسية التي عاد إليها عدد من «مزدوجي الجنسية».
بحسب أحدث الإحصاءات السكانية يوجد مليون «مواطن إسرائيلي» يحملون جنسية مزدوجة، وجواز سفر أجنبيا، أي نسبة 17% تقريباً من عدد السكان اليهود، نصفهم يحملون جنسية أوروبية، وربعهم جنسية أميركية، والربع الأخير جنسيات متفرقة.
دبلوماسية فرنسا وأميركا وكندا استنفرت بغرض حماية رعاياها ومارست ضغوطها على الأطراف المؤثرة في الحرب لتسهيل خروجهم من «أرض الميعاد» بسلام، وهذا ما شاهدناه في اليومين الأخيرين عندما خرج نحو 545 شخصاً من مزدوجي الجنسية عبر معبر رفح.
الظاهرة الإسرائيلية أعادت لنا شريطاً من الأحداث مماثلاً على الساحل اللبناني في حرب 2006 عندما اصطفت السفن والبوارج الحربية الغربية من «الناقورة إلى بيروت» لنقل اللبنانيين حاملي جوازات أميركية وفرنسية وألمانية وكندية وكانوا بمئات الآلاف، إنما الفرق بين المشهدين واضح جداً، فاليهودي وصل إلى «أرض الميعاد» تحت دافع ديني توراتي محض، في حين أن اللبنانيين اختاروا الهجرة طوعاً إلى أوروبا وأميركا وأستراليا بحثاً عن الاستقرار والعيش الآمن دون حروب.
مزدوجو الجنسية، كان لهم نصيب واضح بالثمن الذي قدموه، سواء كانوا ضمن الرهائن والأسرى، أو ضمن القتلى الذين سقطوا بالمواجهات العسكرية.
طوابير الهروب من المطارات الإسرائيلية لحاملي الجوازات الأجنبية لا تخطئه العين وينقل مباشرة على الهواء عبر قنوات تلفزيونية عبرية أو عربية، ووفقاً لتقارير أعدت حول هذه الظاهرة، أعادوا التذكير بالتعديلات التي طرأت على قوانين الجنسية، وتحديداً في كل من البرتغال وإسبانيا، والتي من شأنها السماح لأحفاد اليهود الذين طردوا خلال محاكم التفتيش اكتساب جنسية هاتين الدولتين، وهذا ما سجلته دائرة الإحصاء في إسرائيل، وأشارت إليه من زاوية ارتفاع أعداد من حصل على جواز أجنبي.
المليون «مزدوج» إسرائيلي ليسوا مزحة عابرة بل ضربة طالت صميم الكيان والمجتمع وأحدثت أضراراً مستدامة في بنيانه، يتعين على الكيان أن يضعهم في حساباته في أي مواجهة قادمة أو حروب منتظرة طالما بقي الفلسطيني حياً وبدون دولة.