فرضت أحداث غزة في فلسطين نفسها على الأخبار العالمية قبل المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي قبل الوسائل الرسمية لنقل الأخبار، وهو أمر غير مستغرب، بل آتى ثماره في نشر الوعي لجوانب كانت خفية وباتت معروفة لدى العامة، زاد فيها الوعي لدى رجل الشارع بالأخص في دول الغرب، ولعل هذا هو الأمر الوحيد الحميد من هذه الأحداث التي بدأها (طوفان الأقصى) وتوالت من بعدها المجازر ضد أصحاب الأرض الفلسطينيين بأشنع الصور وسط تفرج دول العالم، بل مباركة بعض حكوماتها أيضا. وكما أسلفنا في الأسابيع الماضية فإن الواقع ومنطق القوى و(العضلات العسكرية) أسقط أقنعة الغرب الملونة بألوان الإنسانية سابقا، إلا أنني ما زلت على المستوى الشخصي أرى أن دعم المقاومة واجب دون النظر إلى التحليلات السياسية التي قد تشوه الغرض النبيل منها في الأصل، وهو استرداد الأرض من النهر الى البحر.
ولأن منطق القوة والعضلات يحتاج في زماننا هذا حربا إعلامية تصاحبه، بدأت دعاوى عدة تخرج في الإعلام الغربي رغم ارتفاع مؤشر الوعي لدى العامة منهم، أقيسها شخصيا من نقاشات شخصية وتعاطف على شكل حراك شعبي، فحواها وببساطة أن أصل وجود الكيان الصهيوني أو ما يسمى «دولة إسرائيل» ليس إلا استحقاقا دينياً تاريخياً له ما له من أسس واقعية وارتباطات «إثنية» كذلك بمنطقتنا، وإذ لم تكن أو تظهر هذه الادعاءات وكأنها وليدة اللحظة اليوم، فقد كانت وما زالت تتداول وبكثرة وخصوصاً بعد (طوفان الأقصى) الأخير وبدعم من لوبي صهيوني واضح المعالم من داخل الوطن العربي وخارجه، وعليه ارتأيت الوقوف عندها وتفنيد بعض الحقائق المرتبطة بها في هذه المناسبة لتكون أيضا شيئا كالمرجع في قادم الأيام.
وقد لوحظ مؤخراً وبكثرة ترويج حجة أن ارتباط الكيان الصهيوني بأرض فلسطين هو من خلال أمرين:
أولهما، أنها أرض الميعاد وجهة النهاية الموعودة في سفر الخروج بالعهد القديم، وهذا أمر رفضه من العديد من اليهود على مر الأزمنة لأسباب عقائدية لديهم ترتبط بإرهاصات وأدلة لم تخرج علينا الى يومنا هذا.
والدليل الآخر هو أن أصل فكرة تهجير يهود الغرب والوسط لم تكن الى أرض فلسطين بل إلى أماكن عدة مقترحة منها، على سبيل المثال، أوغندا أو الأرجنتين وخلافه.
أما الأمر الآخر الذي كان وعاد ليأخذ صيتا أكبر لدى الإعلام الصهيوني فهو موضوع أن أرض بني إسرائيل هي لهم منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة تقريبا، وأن العرب لم يدخلوها إلا من قرابة ألف وثلاثمائة سنة لا أكثر.
وهنا أوضح بأن المطالبات التاريخية بالأصل تنتهي ويجبها الاتفاقيات الدولية وترسيم الحدود مع تطور الأزمنة والخرائط وهو المتعارف عليه دوليا، وإلا سنجد شعوباً من هنا وهناك تطالب بأراض لها تعود لأسلاف لها بحسب تحليل الحمض النووي، وتعود الخرائط والشعوب الى سنين سحيقة، فالأصل بالمطالبة هنا منتفٍ، ولكن وإن أردنا (بمزاجنا) أن نجاري هذا المنطق الصهيوني الأعوج، لنعود ونمحص في مقال كتبه شرف غسان مقطش في صحيفة (عمون) والمنشور في أكتوبر من عام 2017، وهو أشبه ببحث تاريخي مطول عن المسألة فحواه بأن أصل المنطقة وسكانها هم (الكنعانيون) وهم من شعوب العرب السامية، وهذا أمر مذكور في أسفار العهد القديم كذلك، وعليه سميت الأرض في الأصل بأرض كنعان، وإن انتهى أثرهم من الخرائط اليوم أليس الأحق بالمطالبة هم العرب بأرض فلسطين؟!! طبعا هذا الكلام في مجمله والحجج التاريخية ليس إلا كلاما (ماخوذ خيره) كما نقول في لهجتنا العامية وليست إلا ادعاءات للتضليل والتسطيح من قبل الإعلام الصهيوني لا أكثر، لكنه وإن كان فالحجة كعادة حججهم مترهلة ومهلهلة وفاقدة للطعم واللون والرائحة و(الحياء).
حقيقة المسألة أن الجاري من مجازر في حق إخواننا في فلسطين هذه الأيام وعلى مدار سنين (ولن أسخف المسألة بالأسابيع القليلة الماضية) ليس إلا تطهيراً عرقياً، بل هي حرب على كل ما هو فلسطيني عربي هدفه الصغار قبل الكبار، والدمار والمذابح التي تجري يوميا هي خير دليل على هذا كله، ولتكن عينك ميزانك في تقييم الأمور.
على الهامش:
في حديث مع أحد الخاصة عن استخدام الطاقة كسلاح ووسيلة ضغط على الغرب، التقت وجهات النظر بأن العمل الفردي لن يجدي نفعا بل يمكن له أن يكون مضراً على أقل التقديرات في استخدام الطاقة الأحفورية كسلاح، وهنا ذكرني هذا الصديق العزيز بمنظمة التعاون الإسلامي ومؤتمرات القمة الإسلامية ودورها في قادم الأيام، لنترحم عليهم كما ترحمنا على جامعة الدول العربية ومحور الممانعة والمقاومة وكل من كان له من دور في تجميع شتات القوى حول العالم (دون الشعوب المغلوب على أمرها).
هامش أخير:
بتاريخ 3 نوفمبر الجاري اقترح برغبة عضو الكونغرس الأميركي رايان زنك وأيده عشرة أعضاء من حزبه الجمهوري على مقترحه بطرد ومنع دخول أي فلسطيني الى أراضي الولايات المتحدة الأميركية. أتصور هذا أبلغ رد لمن كان يدّعي وحتى عن غير قصد أن الجمهوريين في الولايات المتحدة أكثر حنكة في التعامل مع أحداث الشرق الأوسط!!
عزيزي القارئ، لا فرق بين أي حزب وآخر في التعامل مع المصالح المشتركة ضد المنطقة، بل تستطيع قياس هذا الأمر على أي حزب وتيار حتى داخل بلادنا العربية.