لم تتبق لدينا كلمات ولا مصطلحات تعبّر عن دناءة وهمجية وبربرية وبشاعة العصابات الصهيونية المحتلة لأرض فلسطين، وليعلم العالم أجمع بغربه وشرقه وشماله وجنوبه أن هذه العصابات المكونة من مجرمين ومرتزقة هم وحوش بربرية وليست بشرية، لن يكون لهم مقام في فلسطين بعد اليوم، فهم مغتصبون لأرضها، وقد كانوا أوغاداً وهمجيين تسري في عروقهم رغبة جامحة في القتل وإراقة الدماء ورؤية الأشلاء البشرية تتطاير أمام أعينهم ويقلبونها بأيديهم الملطخة بدماء الأبرياء، كيف لا وقد قاموا بهذه الأعمال منذ أول قدوم لهم إلى أرض فلسطين الطاهرة في ثلاثينيات القرن الماضي (حينما جاؤوا لاجئين)، وقد بدأ عدوانهم الهمجي بمساعدة أربابهم الإنكليز الذين مكّنوهم من الوصول إلى فلسطين والاستيطان بها، وما حادثة فندق «الملك داوود 1946» إلا دليل على ذلك، وقد استمروا في مسلكهم الهمجي طوال السنوات مروراً بالنكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا، فلم يعد لهم مكان في فلسطين بعد اليوم مهما كان الثمن، وأياً كانت الاعتبارات، فقد حانت مرحلة إجلائهم وإنهاء وجودهم فيها.
ولا أستغرب ــ بحق ــ إجلاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لهم من المدينة المنورة، فقد كانوا دائماً معول هدم وتآمر، ومثالاً لنقض العهود والمواثيق، بل كانوا يتلذذون بقتل الإنسان ونصب المكائد له، فكان لا بد أن يجليهم صلى الله عليه وسلم رداً على سلوكهم الخسيس والخبيث.
ولا أستغرب لماذا أراد هتلر أن يقضي على وجودهم ليمحوهم من الوجود، لأنه عرف وخبر نزعتهم الهمجية والبربرية في مواجهة كل البشر وتلذذهم بتعذيبهم وإراقة دمائهم.
ولا أستغرب لماذا قصدت أوروبا برمتها وسعت لإخراجهم منها خوفاً من همجيتهم تلك وبربريتهم المتوحشة، على وجودهم ومستقبلهم، فتم إخراجهم وزرعهم في فلسطين بدلاً من القضاء عليهم.
ونعود إلى واقعنا اليوم في غزة وسط أجواء همجية وبربرية متأصلة، كشّرت عن أنيابها بممارساتها الإبادة والتقتيل الهمجي والهدم البربري للمباني والخدمات الإنسانية، بعد أن جعلوا غزة أكبر سجن مفتوح للناس تحت آلة الحصار والاعتقال والتعذيب والقتل، وأمام الصمود الأسطوري لشعب غزة وأهلنا فيها، والذي لم ترهبه كل تلك الأعمال الهمجية والبربرية ومحاولات التهجير بالهدم الكامل للمباني وكل مرافق الحياة الضرورية، فيخرج علينا من بين كل ذلك الركام والأشلاء أطفال ونساء وعجائز وشيوخ جميعهم يرددون عبارة واحدة تعبر عن العزة والشموخ والقوة والصمود: «لن نترك أرضنا مهما كان الثمن»، وسنقدم حياتنا لها، فيها وُلدنا وعليها سنستمر وفيها نموت، ولن نسمح للصهاينة المغتصبين وحلفائهم من الصهاينة الغربيين والعرب، أن يخرجونا من ديارنا، ولن نكرر ما حدث عام 1948 من نكبة نعيش كل مآسيها اليوم.
هذه الصورة من الصمود والثبات الشامخ لغزة وأهلها ومجاهديها وأطفالها ونسائها ورجالها وشيوخها، قد أسقطت الأقنعة عمن كان يتخفى خلفها من أنظمة عربية أو إسلامية وعلى رأسها السلطة الفلسطينية، وما تخاذلهم عن نصرة غزة وأهلها حتى بالمعونات الإنسانية إلا حجة بالغة عليهم إلى يوم الدين.
وفي الوقت ذاته، فقد ألهم ذلك الصمود الأسطوري الذي يخرج كل يوم من بين الركام ومن بين الأشلاء، فقد استُشهد أبناؤهم وأمهاتهم وأزواجهم، كل العرب والمسلمين وأحرار العالم كل المعاني والقيم الإنسانية الطبيعية في مقاومة الظلم ونصرة المقاومة ومساندتها، بل إنه بعث وأوجد في شعوب الأمة العربية والإسلامية روح الإيمان والإصرار على حتمية المساندة والدعم اللامحدود حتى يتحقق التحرير الكامل لفلسطين، وإن تخلّفت عن هذا الركب الأنظمة أو ترددت أو تخاذلت، فكل ذلك لم يعد له قيمة في سياق الصمود الأسطوري لغزة وأهلها.
نعم، لقد كانت غزة وستظل ملهمة للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، من أجل التحرر والقضاء على الظلم، فهي تقوم اليوم بمقاومة فريدة بصمود شعبها الأسطوري وبأعمال المقاومة الميدانية بجميع فصائلها، وكل هذه الأعمال مشروعة في القانون الدولي وأعرافه ولا يمكن أن توسم بـ «الإرهاب» الذي هو ديدن وسلوك أعدائهم والأنظمة الغربية المساندة لهم، وقد حققت غزة وشعبها الصامد نصراً على الأرض وفي العالم، وجاءت نتائجه الأولية واضحة وستتوالى بقيتها في وقت لن يطول، فغزة فعلاً ملهمة، بل هي أول مسمار في نعش كيان العصابات الصهيونية الزائلة بلا رجعة بإذن الله.
«وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»