خطفت عملية «طوفان الأقصى» في غزة الأضواء من أحداث وصراعات بمختلف أرجاء العالم، ومن ضمنها التدخل الروسي في أوكرانيا، وأحدثت نقلة نوعية في الوعي الإنساني العالمي، وأعادت تقييماً جذريا ومراجعة شاملة للمفاهيم والمعايير والقيم السائدة على شتى المستويات.

بدايةً، نزع الغطاء الكثيف عن الوعي العالمي بخدعة الديموقراطية الغربية، ووثيقة حقوق الإنسان التي لا تسمن ولا تغني، وانحياز المنظمات الدولية بما فيها منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن التابع لها، وكونها شاهدة زور على مأساة غزة التي هزت ضمائر شعوب العالم عدا تلك المنظمات الدولية المقيدة بالمصالح الاقتصادية والتوازنات السياسية والمكاسب المستأثرة بنتائج الصراعات في الشرق والغرب.

Ad

الإجرام الإسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمراء المرصودة، وتخطى أي محاذير في الرقابة أو المحاسبة على انتهاكاته وفظائعه، دون أي اعتبار للقواعد القانونية الدولية، والأعراف الإنسانية، والمعايير الأخلاقية أو الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية المناهضة لأشكال العدوان والحروب. لا يمكن تجاوز روح الانتقام والوحشية السادية بالعنف والعقاب الجماعي عند الطرف الإسرائيلي، مما كشف زيف المدنية الإسرائيلية وجلاء حقيقتها البربرية والمتخلفة.

خطورة ما يجري على أرض فلسطين من أحداث وأهميته هو ارتباطها الوثيق بتنافس الأقطاب العالمية،

الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة، وروسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى، فأي تغيير أو خلل في معادلة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لمصلحة أي الطرفين ستتداعى تأثيراتها على موازين المنافسة العالمية بين الأقطاب، لذا تحرص جبهة الولايات المتحدة وحلفائها على توازن معادلة الصراع تلك ودوام الحالة غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط، وتبادل أدوار الهجوم والدفاع من طرفي الصراع لأقصى فترة ممكنة، فالشرق الأوسط لا يزال منطقة نفوذ أميركية من خلال قواعدها العسكرية والمعاهدات المبرمة مع حكوماتها، والتي تضمن مصالحها الاقتصادية، خصوصا البترول وضماناته لقيمة الدولار الأميركي.

مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة أثبت تباين مصالح سياسات أعضائه وتناقضها، وسوء استخدام الدول الدائمة العضوية لحق «الفيتو»، الذي أحبط الاقتراحين الروسي والبرازيلي لوقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مما يؤكد حاجة المجتمع الدولي لإيجاد صيغة أخرى وآلية فاعلة يتم من خلالها ضبط الأمن والسلم العالمي المهدد بالانهيار وشيوع الفوضى.

أخيراً، علينا أن نفرق بموضوعية بين العنف الإسرائيلي والمقصود به خلق حالة رعب واستسلام للشعب الفلسطيني للواقع المفروض عليهم تحت ظل الاحتلال، وبين العنف الفلسطيني الذائد عن أرضه، والمقاوم ببسالة لمحاولة محو وجوده وإثبات هويته الوطنية المسلوبة.