يقول الإمام السعدي، رحمه الله، في تفسير «أولي الأمر»: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

اشتهر مصطلح «طاعة ولي الأمر» بكثرة، وصار على لسان العموم، خصوصا بعد موجة الربيع العربي، التي خذلت أحلام الكثيرين، وأعقبت دمارا وفسادا كبيرا في بعض البلدان العربية الشقيقة، فكان أفضل درع نتحصن به من هذه الفتنة بعد الدعاء، هو التمسك بالوحدة الوطنية، تحت مظلة «طاعة ولي الأمر» التي تجعلنا أكثر حكمة وصبرا في التعامل مع الولاة، بدلا من اللجوء للمظاهرات والصراخ الذي قد يتحول لاشتباكات عنيفة، لا تحمد عقباها.

Ad

في أثناء هذه الظروف الحالكة اتجهت الأضواء لمجموعة من المشايخ كانوا يصبّرون الناس ويخففون احتقان الشارع، ولكن للأسف، كان من بينهم مشايخ «المرجئة» المحترفين في الصيد في المياه العكرة. فكانت هذه أفضل فرصة لهم لجذب الجمهور، والتملق للسلطة، حتى أن بعضهم رمى سنّارته إلى أبعد من ذلك، وصار يدافع بقوة عن دولة خليجية غنية اخترعت ديانة جديدة! لعل وعسى أن يناله شيئا من ذلك الزفر.

وفي هذه الفترة بالذات، أصبح لهؤلاء المشايخ شعبية كبيرة، وثقة عمياء عند الحمقى، حتى صاروا يسألونهم عن صحة عقيدة ومنهج الدعاة الآخرين والمشايخ! فانتفش ريش «المرجئة» وأخذوا يتطاولون على الدعاة والمشايخ بالجرح والتهويل، وصاروا هم «مركز التزكية العالمي» للدعاة!

وازداد غرورهم وصاروا لا يتورّعون في إفتاء الناس بكل شيء، حتى في السياسة وأحوال البلدان الأخرى! وإذا أحسّوا بنفور الناس من بعض فتاواهم «الفهلوية» أدخلوا المصطلح السحري: «طاعة ولي الأمر» لينهي الخلاف، حتى انتبه بعض طلبة العلم وغيرهم من هذا العذر الذي بات شماعة يعلقون عليها ضعفهم العلمي! فقد توسعوا في هذا المصطلح حتى أفقدوه هيبته، وأصبح يتردد على لسان السفهاء الذين لا يعرفون الفرق بين الفتوى والتأليف.

أعزائي القراء، ما كنت لأكتب هذا المقال لولا أن تمادى أحد المشايخ وأدخل مصطلح «طاعة ولي الأمر» في فتوى مقاطعة الوجبات السريعة!