شجار بين الغذاء والدواء
لم نظن يوماً أن كثيرا من الأغذية على موائدنا قد تؤثر على علاجاتنا سلباً، وأحيانا نظن أن العلاج ذاته لا ينفعنا فنغيره إلى دواء آخر، والحقيقة العلمية والعملية هي أن كثيراً من الأطعمة تؤثر على مدى فعالية الدواء وقد تزيد أو تقلل من فعاليته، هذا إن لم تؤثر أيضا على الجهاز الهضمي كله.
فبعض الفيتامينات والمعادن الموجودة في الغذاء قد تؤثر على الأدوية المسيلة للدم مثلاً، وإن اتباع نظام البروكلي والسبانخ والبرسيم الحجازي الغنية بفيتامين (ك) يومياً الذي يحفز بدوره التخثرات الدموية، يمكن أن يبطل مفعول الهيبارين والوارفارين والعقاقير الأخرى التي تمنع تخثر الدم (المسيلة للدم).
وإن بعض المركبات الغذائية تزيد خطر الآثار الجانبية لبعض الأدوية مثل دواء الثيوفللين Theophilline الذي يُصرف لعلاج الربو، مما يزيد ويُطيل مفعوله، فيتأثر المريض عند شرب القهوة والشاي والشوكولاتة والكاكاو والجوارانا والمتة، وهي كلها مواد تحتوي على مركب الكافيين الذي يعدّ منبهاً قوياً، وتناولها في الوقت الذي يستعمل علاج الثيوفللين لدى مرضى الربو كموسع للقصبات الهوائية، يحسن التنفس وعمل الرئتين في هذه الحالة لكنه يسبب قلقا شديدا وصعوبة في النوم وزيادة في عدد ضربات القلب، كما يزيد خطر الإصابة بالتسمم من الدواء ذاته.
والعكس قد يكون مع بعض الأطعمة التي تمنع الآثار الجانبية للدواء، فمثلاً تستنفد العديد من الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدم مخزون الجسم من البوتاسيوم بسبب مدرات البول، وأخرى قد تزيد نسبة البوتاسيوم اللازم للقلب في الدم، فيبقى المريض بين انخفاض وارتفاع، ولأن البوتاسيوم ضروري للقلب والعضلات وخلايا الجسم عامة، حيث يسيطر على تعادل الشحنات الكهربائية الواصلة للخلايا العصبية والعضلية وبشكل صحيح، وكي تقوم الأعصاب والعضلات بوظائفها الحيوية، فإنه يجب على الأشخاص الذين يتناولون الأدوية المدرة للبول لوحدها أو مع الأدوية التي يفترض أن تعالج ارتفاع ضغط الدم إضافة الحمضيات والفواكه المجففة والموز والطماطم والأغذية الأخرى الغنية بالبوتاسيوم إلى وجباتهم الومية، واستعمال ملح الطعام بحذر، وذلك لمنع الدواء المُدر من استنفاد احتياطي الجسم من هذا المعدن، وعدم تخزين الماء في الأنسجة، خصوصا الأرجل فتؤدي إلى التهابات في المفاصل عامة.
غير أني لا أنصح المرضى باستخدام حبوب البوتاسيوم لوحدها إلا باستشارة الطبيب، وعمل فحص دوري لسلامة القلب، حيث قد تزيد الجرعة أو تقل حسب وجودها بالأغذية، وقد يقع المريض في مضاعفات شتى!
ولأهمية البوتاسيوم للأمعاء والعضلات عامة، فإن الذين يعانون الإمساك قد يكون السبب الأكبر عندهم هو نقص هذا العنصر، بالإضافة إلى المغنيسيوم المسؤول عن مرونة العضلات عامة وتهدئة القولون العصبي، وعند استعمال المسهلات الكثيرة في حالة الإمساك، أو لتسهيل عملية الخروج وحركة القولون عند مرضى البواسير، فإنه سيؤدي إلى نقص في هذه العناصر، لذلك يمكن أن تعالج هذه الحالة باستعمال الأغذية التي تحتوي على البوتاسيوم والمغنيسيوم مع زيادة شرب الماء.
لذلك ننصح بالرجوع دائماً إلى الصيدلي المتخصص وضبط الأدوية مع الأغذية أو المكملات الغذائية اللازمة لتكملة العلاج دون الوقوع في المضاعفات الجانبية.