عطاء «السنعوسي» السياحي في كتاب!

مطالعة وتصفح كتاب الإعلامي الكبير «محمد السنعوسي» سياحة مصوّرة ورؤية لمشاهد لا يكاد القارئ يصدق أنها في الكويت، ومنها لربما ندرك، كما حاول السنعوسي، أن نعي كم الكويت مظلومة ببعض القرارات السياحية التي تشل في الواقع إمكاناتها في هذا المجال ولا تزال.

الإعلامي «بوطارق» كما هو معروف مدرسة في التواصل، وجرأة الطرح والابتكار السياحي، وهز ما هو ثابت وراكد... وخضه إن كان ذلك مطلوبا، فقد أمضى السنعوسي ربع قرن داخل التلفزيون بانيا ومجددا، وما كاد يجهز حقائب سفره للاستمتاع بعيداً عن مشاكل الإعلام، يقول حتى اتصل به وزير المالية آنذاك الراحل «جاسم الخرافي» عارضاً عليه مسؤولية إدارة شركة المشروعات السياحية التي تدير مختلف مرافق الدولة في هذا المجال نيابة عن وزارة المالية.

لم تكن الصعوبة في تكيف الرجل مع المنصب وإدارته فحسب، بل كذلك وهو في الواجهة السياحية أن يتلقى النقد والاتهامات من كل جانب، من هو راض عن أهداف الشركة، وما تفتح للناس من مجالات تنفيس، وما تشرح من نفوس، ومن يضع الشركة وأهدافها وموجهيها ضمن مهددي الأخلاق ومفسدي الأذواق ومخربي القيم.

حاول السنعوسي كما وعد إعطاء الكويت الوجه السياحي المقبول براً وبحراً، لكنه ما لبث أن تلقى هجوم الجهات المحافظة والدينية، حيث حاولت أن تشرح له ضمن مقال افتتاحي «الخيط الرفيع بين الترويح والفساد السياحي»، فيما جاء بالمقال من مقارنة مقترحا الانطلاق من السباحة وركوب الخيل والرماية.

تصدى كذلك لأمر من صميم الشركة هو وضعها المالي، وعجزها عن تحقيق أية أرباح، إذ كانت تخسر سنويا فتعوضها الحكومة بثلاثة ملايين دينار سنويا، وكانت هذه بالطبع خسائر فادحة في ذلك الزمان قبل أربعين سنة، وقبل أن تعتاد آذاننا على عشرات الملايين والمئات!

يخصص السنعوسي قسماً خاصاً في سجل تجاربه مع المشروعات السياحية لـ«منتزه الخيران السياحي» الأرض الواقعة على مبعدة 110 كم من مدينة الكويت، حيث أقيم المنتزه فوق أكثر من 831كم2 من الساحل، بتكلفة 20 مليون دينار، نحو 200 شاليه، ومرسى يسع أكثر من 200 قارب.

ويشرح الكتاب أن أعمال الحفر والتشييد استمرت ست سنوات واحتوى المكان الى جانب الشاليهات الكاملة التجهيز الصالات والمطاعم وقاعات المؤتمرات، وافتتح المشروع ضمن فعاليات الذكرى 26 للاستقلال الوطني في فبراير 1987 بحضور سمو الأمير وبعض كبار رجال الدولة والمهتمين.

لفت نظري ما يورده الإعلامي السنعوسي عن طول سواحل الكويت، ولا أدري إن كنا جميعا نعرف أن طول هذه السواحل الكويتية نحو 325 كيلومتراً! وإذا أضفنا إلى هذا الامتداد سواحل جزر بوبيان وفيلكا وغيرها، يلاحظ السنعوسي، يكون مجموع السواحل 500 كليو متر، وبهذا قد لا ننافس دولا مثل أستراليا وبريطانيا واليابان لكننا نتميز عن دول أكبر منا لا تصل على أي بحر، كالنمسا وأفغانستان وحتى عن أكبر دولة إسلامية، وهي «كازاخستان» التي تقرب مساحتها من ثلاثة ملايين كم، ولا تطل إلا على بحر مغلق هو «بحر قزوين»!

حاول المهندسون تقديم بعض السواحل في أجمل حلة، ذلك أن أجزاء كبيرة من شواطئ هذا الساحل الكويتي، يقول السنعوسي، غير صالحة للسياحة إلا في وقت المد بسبب الطمي أو الغِرْيَن الذي يصب فيها «شط العرب» فيحيل شمال الخليج خاصة الى أرض طينية لزجة، وهذه إحدى المشاكل وهناك مشاكل أخرى.



ويبدو مشروع الواجهة البحرية للقارئ المسهل للأمور، أمراً هينا، ومجرد أعمال رصف وتبليط لشارع ممتد، غير أن ما يعرضه كتاب السنعوسي يصور لك بدقة جوانب الجهود الهندسية الشاقة التي بذلت في المشروع.

يقول السنعوسي: «كانت ضخامة العمل تمثل تحديا رئيسا، وهو ما استدعى توفير ما يقارب 800 فني يعملون في وقت واحد بجانب معداتهم الضخمة وجهازهم الإشرافي الكبير مع آلاف العمال ومن إمارة الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة تم نقل نحو مليون ونصف المليون متر مكتب من الصخور ذات الصفة البازلتية المقاومة للأمواج والتآكل، كما تم حفر نحو 600 ألف متر مكعب في البر والبحر، وشملت عمليات الردم مليونين و350 الف متر مكعب، أما الجزيرة الخضراء التي تتربع وسط هذه الواجهة فقد حظيت بأكبر عملية ردم فهي تبعد عن اليابسة مسافة 350 مترا وتم ربطها بالشاطئ عن طريق ممر بري ردم بكامله الى جانب 500 متر اخرى هي قطر الجزيرة».

(تجربتي في المشروعات السياحية وحكايات أخرى، محمد ناصر السنعوسي، الكويت، مطابع الخط ص157»

اهتم السنعوسي بصور الكتاب وإخراجه، حيث بذل الأستاذان «وفيق سميريني» و«حسن رمال» جهداً ملحوظا في إبرازها وحسن اختيار الصور حجما ومضمونا وألوانا.

وكان حفل الافتتاح الذي يسهب الكتاب في وصفه من أبرز المناسبات في أواخر الثمانينيات وربما آخر الاحتفالات الكبرى قبيل الغزو، وتنطق بجمال وتلقائية تلك الأيام بعض صور الكتاب كالجزيرة الخضراء وجدارية الفنان «جعفر إصلاح» وحمامات السلام المحفورة في الجدار والمرفرفة في كل اتجاه.

للسنعوسي موقف صريح النقد لواقع ما يسمى إعلاميا «التعاون السياحي العربي والخليجي» حيث يعتبر هذا التعاون حبراً على ورق، ويضيف أن حصة العالم العربي رغم ضخامة إمكاناته لا تتخطى 7 في المئة من إجمالي السياحة العالمية مع أن مساهمة العالم العربي السياحية العالمية تقدر ماديا بنحو 2 تريليون دولار بحاجة إلى توظيف!

غير أن السنعوسي لا تفوته الإشادة بالهدية الخليجية الرائعة في دعم السياحة الكويتية، وهي مكرمة الشيخ زايد عام 1989 عندما أهدى الراحل رئيس دولة الإمارات العربية الكويت مشروعا بيئيا مميزا يتمثل في إقامة محمية ومتنزه طبيعي، حيث تكفل حاكم دولة الإمارات الشقيقة بإرسال الآلاف من الأشجار بأنواع مختلفة مع فريق عمل إماراتي متخصص بكامل معداته وتجهيزاته، فكانت تلك بداية متنزه الشيخ زايد في منطقة الدوحة بمساحة مليون و700 ألف متر مربع، وتضم 28 ألف شجرة، وإن تكن يد التغيير المحلية في الكويت قد امتدت فيما بعد إلى هذا المتنزه، ولا أعرف حجم التغيير والتبديل الناجم عن ذلك!

في كتاب السنعوسي القيم فصلان عن محنة الغزو وآثاره ورحلة إعادة الإعمار، وكان مما اقترحه أبو طارق وتحمل ملامح ابتكاراته وذلك بعد التحرير، ووسط الدخان والأرض المحروقة، تنظيم رحلات سياحية إلى الكويت وسط 700 بئر مشتعلة و42 بئراً تنزف نفطاً!

ومن البدهي، كما يعترف السنعوسي، أن الاقتراح السياحي الترويجي كان صادما للوزيرين، د.عبدالرحمن العوضي وسليمان المطوع، ويقول «لم يتحمس له أي منهما، ولم يعرضها على مجلس الوزراء كما رغبت». (ص234).

كتاب السنعوسي عن تجاربه مع المشروعات السياحية وغيرها كتاب شيق حرر بعناية وأخرج بإتقان، ودُرس شكلاً ومضمونا بدقة، ولهذا لا ينبغي أن يطمح القارئ بمطالعته من الغلاف إلى الغلاف في مقال!

الكتاب في 342 صفحة من الورق المصقول، وربما أتعب اختيار الورق والإخراج العاملين في طباعته، لكن الجهد الجماعي أخرج في النهاية كتابا ضخما وكراسا فخما ومرجعا مهما في مجاله، رغم أن المؤلف يكتم في النهاية بعض الألم، قائلا: لدينا كثير من التجارب ولكن كثيراً من الصمت أيضاً.