ثلاثة مسارات أصبح من الواضح أن لبنان الرسمي وحزب الله يسيران ضمنها، الأول: استمرار الحزب في ترك الجبهة الجنوبية مفتوحة بشكل مدروس لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، والثاني: رهان مزدوج للحزب والحكومة اللبنانية على المفاوضات الإقليمية والدولية للوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، والثالث: الحراك الذي يقوم به نجيب ميقاتي وحكومته في سبيل تجنيب لبنان الاحتراق بنار غزة، من خلال شن الإسرائيليين هجوماً واسعاً، كما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يؤآف غالانت أمس الأول.
واللافت أن كل هذه المواقف تتطابق مع ما أعلنه أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الذي بدا في خطابه أمس الأول وكأنه يخفض من سقف موقفه السياسي، معتبراً أن الكلمة للميدان.
لكن في الوقت نفسه توجه نصرالله إلى الأميركيين بوضوح حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة لمنع حصول حرب إقليمية، كما أنه كان واضحاً في الرهان على المفاوضات الإقليمية والدولية للوصول إلى وقف إطلاق النار، يأتي ذلك في ظل تأكيدات بأن إيران لا تريد الذهاب إلى الحرب، ولا الولايات المتحدة تريد لحرب غزة أن تتحول إلى حرب إقليمية. كل ذلك يقود إلى خلاصة واحدة وهي استمرار عمل القنوات الخلفية بين واشنطن وطهران.
عملياً، من الواضح أن حزب الله ونصرالله بالتحديد يسير ضمن المعادلة المرسومة دولياً وإقليمياً، في عدم التصعيد وتوسيع الجبهات بانتظار اللحظة المناسبة لتحقق شروط وقف إطلاق النار. ذلك لا يمكن أن ينفصل عن جملة أمور، أولها التقاطع الإيراني الأميركي حول منع تصعيد الوضع العسكري في المنطقة، وثانيها استمرار القنوات الخلفية بالعمل والتفاوض بين الإيرانيين والأميركيين، وثالثها الالتزام عملياً بالرسالة التي نقلها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، وتضمنت رسائل بشكل مباشر عبر وسطاء إلى حزب الله. ضمن هذه المعادلة، يبقى حزب الله قوياً بين ضعفاء، في ظل عدم قدرة أي طرف على تعديل المسار الذي يقوده الحزب، ولا يخرج عن السقف الأميركي، أو لا يظهر تضارباً كبيراً مع الأميركيين على قاعدة المواجهة الفعلية معهم. هناك براغماتية واضحة في تعاطي حزب الله والإيرانيين مع الحدث في غزة، وهذه البراغماتية تفترض الحفاظ على مكتسبات سياسية والبحث عن تعزيزها، على حساب الذهاب بحماسة إلى الانخراط في حرب كبرى قد تؤدي إلى خسائر كبيرة وتكاليف لا يمكن حصرها، خصوصاً في ظل إضفاء المزيد من الإغراءات الأميركية لإيران كي لا تكون عنصراً منخرطاً بقوة في هذا الصراع، وهو ما يعمل عليه الأميركيون تارة بالهدوء وطوراً بالتهديد. في المقابل، فإن الدول العربية ستكون بأمس الحاجة إلى تكريس الاستقرار، الذي لا يمكن أن يكون مدخله الحقيقي إلا حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية، لأنه بدون حلها لا مجال لتوفير الاستقرار الذي سيشكل منطلقاً لتحقيق طموحات اقتصادية واستثمارية مستقبلية.
وفي المقابل، فإن إيران أيضاً حريصة على توفير مقومات استقرارها الداخلي، مواصلة سعيها لترتيب علاقاتها مع واشنطن ودول الخليج، ولذلك لا بد أن يكون تعاطيها براغماتياً، وهو ما ظهر منذ البداية عند تبرؤها من هجوم 7 أكتوبر، وهو ما كرره نصرالله كذلك في خطابه الأول، فيما أشار في خطابه الثاني إلى أهمية دور طهران في توفير الدعم للمقاومة الفلسطينية، وهذا يتصل بإثبات حضور إيران على الطاولة في ضوء المفاوضات الدائرة.
قتلى بين إسرائيل و«حزب الله» وإصابة جندي بـ «يونيفيل»
أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة العديد من المدنيين في هجوم باستخدام صواريخ مضادة للدبابات، تم إطلاقها عبر الحدود الشمالية من لبنان، مضيفاً أنه رد بإطلاق نيران المدفعية. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن 6 اشخاص بينهم عاملون في شركة الكهرباء أصيبوا وأن أحد المصابين قُتل، مضيفة أن الهجوم أصاب عدة مركبات قرب منطقة افيميم. وأفاد الجيش الإسرائيلي عن إصابة 7 من جنوده في هجوم على ثكنة عسكرية وتوعد برد حازم. وقال حزب الله إنه نفذ أمس أكثر من 10 هجمات على مواقع عسكرية إسرائيلية مقابل الحدود فيما أعلنت حماس إطلاق 15 صاروخاً باتجاه مدن إسرائيل في تصعيد كمي ونوعي يعد الأعنف منذ بدء الحرب.
في غضون ذلك، أعلن «حزب الله» مقتل اثنين من مقاتليه في الساعات الأخيرة ليرتفع بذلك عدد قتلى الحزب إلى 73. وتعرضت عدة قرى لبنانية على طول الحدود للقصف بالقنابل الانشطارية والفوسفورية.
كما أصيب أمس عنصر من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) برصاصة، وفق ما أعلن متحدّث باسمها، من دون أن يوضح ما إذا كانت الإصابة ناجمة عن تبادل إطلاق النار المستمر منذ أكثر من شهر بين «حزب الله» وإسرائيل عند الحدود الجنوبية، وما إذا كانت عن طريق الخطأ.