هذه حقيقتنا بكل أسف
لمن يقرأ سطوري هذه أقول:
إنها قد لا تعنيك بشيء، وإنّما كتبتها كانعكاسٍ لما أستشعره في هذا الزمن الذي أعيشه، وهي عبارة عن تراكمات كانت مكبوتة ومكتومة، لكنّ تناثر أشلاء جثث أطفال رُضّع في الطرقات العامة بغزة قد قتل بداخلي كل المحظورات وخطوطها الحُمر، ولست هنا أكتب عن الحرب الدائرة، فهناك حروب كثيرة تدور في أماكن كثيرة، وبأشكالٍ مختلفة.
***كان يعتريني الظن كإنسان أن كلّ ما في هذا الكون قد خُلق لاحترام آدميتي، وأن الطبيعة هي الأم الرؤوم للحياة، مع أن الواقع المعيش يُميط اللثام كل يوم عن كل ما يُقزز ويُؤلم، بل عن كل ما هو مميت، وأننا نعيش في عالمٍ موحشٍ فظيع هدّام، ديدنه الحقد والبغضاء والحسد، وغالبية الذين لهم اليد الطولى فيه هُم من برعوا في الزيف والرياء والتدليس والكذب.
***إن الأوهام التي كانت تعتريني من أنني أعيش في هذا العالم حياة كريمة وفاضلة وهنيئة وسعيدة، مع أنني أعلم علم اليقين أنها حياة سقيمة وظالمة، ولا رحمة فيها، وتعُج بالعداوات والبغضاء والغيبة والخداع والغش واستلاب الطمأنينة وانعدام الثقة، بل إن الأوهام تتكاثف أكثر عندما نزعم لأنفسنا - كذباً - أن هناك عدالة ووطنية، ومحبة، وكلها أضغاث أحلامٍ، فكلمة شرف صارت تستهزئ منّا، ولفظة سعادة أصبحت تُشفق علينا.
وكل ما هو طيب ونبيل وكريم في حياتنا صار قائماً على رمال.
***
كل الأدلة المُقنعة تؤكد أن حياتنا تقوم على أسس من الزيف والتدليس والخداع والكذب، ولكننا لا نريد أن نواجه حقيقتنا، ونعمل على ترقيع واقع مهترئ ومنحطّ باستخدام ألفاظٍ تحمل مفاهيم ذات أبعادٍ مقدسة، ولكنها تخلو من المضمون الحقيقي للقداسة، لأننا نسعى وراء دوافعنا وغرائزنا للمحافظة على ذواتنا الزائفة، فغدونا نتشدق حتى تورمت ذواتنا، فصرنا نرى أننا أفضل مَن فوق هذا الكوكب... بينما نحن نعلم وندرك أننا أقل من يستطيع أن ينصر أخاه الذي أوصاه بهِ نبيّه، صلى الله عليه وسلم، إن كان ظالماً، أو مظلوماً، وهو يراه يجاهد ليس من أجل صنع الحياة في غزة، وإنما من أجل بقائنا جميعاً... ولا أقول من أجل فلسطين فقط.