لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك جانب مشرق حين يتعلق الأمر بكمية الدماء العربية التي تسفك يومياً على أيدي الصهاينة (ومن والاهم) في قطاع غزة، فالأمر الطبيعي هو أن يكون أصحاب الأرض الفلسطينيون منعمين في بلادهم كاملة من نهرهم إلى بحرهم، ولكن وجب هنا الوقوف على عدد من المحطات التي كانت وما زالت تبين لنا أموراً قد تكون مخفية عن أذهان الكثيرين.
أحيت هذه الموجة من الأخبار المتعلقة بـ(الطوفان) روح استخدام الشعوب العربي والإسلامية سلاح المقاطعة للمنتجات التي ثبت أن لها اتصالاً أو تعاطياً أو دعماً مباشراً للكيان الصهيوني، وكنت قد عبرت عن رأيي الشخصي في موضوع المقاطعة عبر سلسلة متتابعة من التغريدات عبر منصة (إكس) بعنوان: المقاطعة من منظور سياسي-اجتماعي من جانب وبناء القدرات الذاتية من جانب آخر، والتي لاقت رواجا لدى العموم.
وما زلت متمسكاً برأيي ذاك، والذي شكلت تلك التغريدات (المشار إليها) فحواه كمسألة أتبناها وما زلت، وهي أن سلاح المقاطعة مؤثر ليس اقتصادياً فقط، بل حتى يؤدي إلى بناء القدرات والخبرات المتراكمة لدى الشعوب التي تؤدي مع تقادم الزمن إلى بناء قدرات ذاتية مهولة، بدءاً من نقطة الارتكاز وهي الاستغناء، رويداً رويداً حتى يصبح المجتمع العربي قادراً وقائماً بذاته معتمداً على نفسه وقدراته دون الحاجة إلى الآخرين بهذا الشكل المفرط.
ويمكننا أن نستدل على هذا كله فيما يتعلق بالخسائر المادية التي يتعرض لها الكيان الصهيوني، ولولا دعم الدول القائمة بذاتها لما تمكن هذا الأخير حتى من استنشق الهواء، وكما أوردت في تلك السلسلة من التغريدات، إن أفضل البدايات تكون حين نعتمد على أنفسنا ونتمكن (ونمكن) أسواق الأطعمة والمشروبات المحلية بأن يكون لها الحظوة والمكانة التي تليق بها.
طبعاً (وقطعاً) كل هذا يتم ويحصل من دون أسلوب السباب والشتيمة والتخوين وتلك النبرة التي تخرب الأوطان ولا تعمرها، والتي بدأت تطفو على السطح هذه الأيام، فلو كنا قادرين وقائمين ومعتمدين على أنفسنا متحدين لما تجرأ المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني أن يصرح بأن سلاحهم الجوي قادر على قصف أي منطقة في (الشرق الأوسط) وذلك بتاريخ السادس من نوفمبر الجاري.
وأنا شخصياً لا أرى ذلك إلا أنه إشارة واضحة بل تهديد مبطن لنا جميعاً بأن العدو ليس واضح المعالم فقط، بل تجرأ علينا لضعفنا وعدم قدرتنا على بناء أنفسنا من الداخل.