بوصلة: المقاطعة التدرّجية المستدامة
بداية علينا أن نتفق على قواعد أساسية للمقاطعة في ظل التشابك المعقد بين الشركات التجارية وملاكها من الأفراد والحكومات، والتداخل بين مكونات منتجاتها وخدماتها (الهجينة) التي تأتي بعض أجزائها من شركات داعمة للصهاينة وأخرى غير داعمة، وكذلك التفريق بين الشركات العالمية التي تعلن رسمياً أنها تدعم الصهاينة، وبين كبار ملاكها الذين يدعمون الكيان الصهيوني من أموالهم الخاصة القادمة من أرباح أسهمهم في هذه الشركات، مع أن أي دعم رسمي للشركات يتم الإفصاح عنه في تقاريرهم المالية السنوية بالجزء الخاص في المسؤولية المجتمعية CSR، وليكن معلوماً لدى الجميع أن غالبية هذه الشركات تدفع ضرائب لحكوماتها الداعمة لحروب الصهاينة، أي أنها تساهم بشكل غير مباشر في دعم الكيان الصهيوني!!
ومن المعلومات الصادمة أن الشركات التي تقدم منتجات وخدمات تكنولوجية لكل الحكومات والشركات والأفراد والتي يصعب مقاطعتها جزئياً أو كلياً لاعتماد الدول والشعوب على أنظمتها وتطبيقاتها الذكية، تقوم هي حالياً بتزويد الكيان الصهيوني بأنظمة متطورة وخدمات فنية متقدمة من دون مطالبتهم بضمانات من ألا يتم استخدامها في القمع والقتل والإبادة!! فشركات مثل «غوغل» و«أبل» أوقفت خدمات تحديد المواقع والخرائط في غزة بناء على طلب مباشر من جيش الكيان الصهيوني!! وأما شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» فتقوم بحجب مقاطع الڤيديو الخاصة بالجرائم المروعة ضد أطفال غزة ونسائها ومستشفياتها بهدف إخفاء جرائم العدو الصهيوني وتجميل صورته أمام كاميرات العالم.
وأما شركة «أمازون» فتقدم خدمات سحابية وأمنية للكيان الصهيوني، وتوفر الآلاف من فرص العمل للمستوطنين مع دعم لا محدود وتعاطف كامل من قيادييها تجاه الكيان الغاصب!! فكيف يمكننا مقاطعتهم؟ بدايةً علينا أن نميّز بين المساهم المؤسس للكيان وبين من يكون مرغماً للتعامل معه عبر وسيط متعاطف غير آبه بالضحايا، وعلينا أيضاً أن نفرّق بين معترفٍ بالكيان وداعمٍ لاقتصاده القائم على جثث وجماجم الفلسطينيين، كما علينا أن نتعرف على كل من يوفر فرص عمل للصهاينة والمستوطنين على الأراضي المغتصبة دون الاكتراث بحقوق أصحاب الأرض المُصادرة بيوتهم وأملاكم وأرواحهم، وعلينا أن ندقق في كل هذه العلاقات ونرصد التحركات ونضع العلامات أمام كل علاقة وأي تحرك في شبكات الملكية المرتبطة بالصهاينة حتى لا نكون شركاء (بشكل مباشر أو غير مباشر) في جرائم التطبيع والإبادة والتهجير.
هذا التشابك والتداخل المعقد بين الشركات والحكومات، ومتطلبات التوازن بين حاجات المستهلكين الأساسية والكمالية، يجعل من المقاطعة الشاملة أمراً مستحيلاً إذا لم نبدأ بتغيير ثقافتنا الاستهلاكية بشكل جذري ومستدام، بشرط أن نبدأ بتدرج زمني وتسلسل منطقي واختيار نوعي يضمن الاستمرارية، لذا عليناأولاً: أن نخلق قناعة شخصية ومنظومة قيميّة تقوم على وقف التعامل مع أي شركة أو حكومة أو مؤسسة أو منظمة أو شخصية عامة تدعم أو تتعاطف مع من ينتهك حقوق الإنسان، ويجيز التطهير العرقي وقتل الأطفال والنساء وإبادة الشعوب وحرمانها ومحاصرتها وقمعها تحت أي غطاء أو ذريعة.
ثانياً: أن نبحث أكثر في تفاصيل المنتج والخدمة للتأكد من خلوها من أي مكون أو مورّد له صلة بالكيان الصهيوني.
ثالثاً: أن ندعم المنتج الوطني والخليجي والعربي والإسلامي المتوافر حالياً مع شرط اعتماد الجودة والكفاءة والمنافسة الحرة.
رابعاً: أن ندعم التاجر والمورد والموزع والمبادر والمستثمر المحلي والخليجي والعربي والإسلامي والأجنبي غير المحتكر والرافض لكل أشكال التطبيع والتعاطف مع العصابات الصهيونية ومن على شاكلتهم.
خامساً: وضع استراتيجية الاكتفاء الذاتي على المستوى الفردي والمؤسسي والحكومي، يكون هدفها الرئيس الاعتماد على إنتاجنا الصناعي والزراعي والغذائي والتعليمي والفكري.
المقاطعة التدرّجية المستدامة هي أدنى ما يمكننا القيام به أخلاقياً وقيمياً ودينياً وإنسانياً تجاه ما يجري من إبادة لغزة العروبة، غزة الطفولة، غزة الكرامة، غزة البطولة، غزة الثابتة أمام غطرسة الصهيوني ودعم الأميركي وتخاذل العربي وصمت دولي!!