«أكذوبة إسرائيل» بشأن مستشفيات غزة تُصعّد انتقادات الغرب

الجيش الإسرائيلي يفجّر مقر المجلس التشريعي بالقطاع... ونتنياهو يلمّح لمواصلة العملية في «الجنوب»

نشر في 16-11-2023
آخر تحديث 16-11-2023 | 18:04
اقتحمت القوات الإسرائيلية مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفى في قطاع غزة، ودعت عناصر «حماس» بداخله للاستسلام رغم المطالب الدولية والإقليمية بتجنّب الخطوة المخالفة للقانون الدولي، في حين حذّر الرئيس المصري، خلال استقباله وزير الجيوش الفرنسي، من اتساع دائرة الحرب بالمنطقة.

في جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي ترتكبها الدولة العبرية منذ بدء حربها المدمرة على القطاع الفلسطيني، اقتحمت القوات الإسرائيلية مجمع «الشفاء» الطبي الأكبر في قطاع غزة بذريعة ملاحقة عناصر «حماس»، حيث تعرّض المقر الصحي الذي بُني عام 1946 قبل الانسحاب البريطاني، لعمليات إطلاق نار وتفجيرات فجر أمس.

وفي وقت زعم الجيش الإسرائيلي أن قواته تنفذ عملية دقيقة ومحددة الأهداف ضد «حماس»، حذرت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة من ارتكاب قوات الاحتلال «مجزرة داخل مجمع الطبي» الذي لجأ إليه أكثر من 7 آلاف نازح من شمال القطاع، بالإضافة إلى المئات من أفراد الطواقم الطبية والمرضى.

وقال الجيش، في بيان: «عمليتنا في مستشفى الشفاء تأتي بناء على معلومات استخباراتية وضرورة ميدانية»، مضيفاً «ندعو جميع مسلحي حماس الموجودين في المستشفى للاستسلام».

وأفادت مصادر بأن جيش الاحتلال قام بعمليات تفتيش في قبو المستشفى، قبل أن يقول مسؤول كبير في الجيش، إن القوات عثرت على أسلحة و«بنية تحتية خاصة بالإرهابيين» خلال مداهمة مستمرة على منطقة واحدة محددة داخل مجمع «الشفاء». كما نفى المسؤول الإسرائيلي وقوع «أي قتال أو احتكاك داخل المستشفى».

وادّعى المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، أن قواته وضعت مساعدات طبية على مدخل المقر الصحي المحاصر منذ أيام، وتوقع أن تنقل حاضنات أطفال خدج وتركيبات حليب للرضاعة في مرحلة لاحقة من العملية التي أكد أنها «لا تستهدف المرضى والطواقم الطبية والمواطنين المقيمين داخل المستشفى».

تأييد وتبرير

وجاء اقتحام «الشفاء» بالتزامن مع استمرار محاصرة القوات الإسرائيلية البرية لجميع المنشآت الطبية الرئيسية في شمال القطاع وشنها لمداهمات ومواجهات مسلحة بالعديد منها، وبعد ساعات من تأييد «البيت الأبيض»، استنادا إلى ما قال إنها معلومات استخباراتية خاصة، عن استخدام «حماس» للمرفق الطبي لأغراض عسكرية وسريان توقعات بقرب التوصل إلى هدنة وإحراز تقدم في المفاوضات غير المباشرة حول تبادل الأسرى بين إسرائيل و«حماس» وفصائل فلسطينية أخرى تحتجز نحو 240 شخصاً من بينهم العديد من مزدوجي الجنسية والأجانب.



وفي وقت حذرت أصوات إسرائيلية من تبعات مضرة للخطوة على المستوى الدولي في حال لم يتمكن الجيش من اثبات الادعاء بوجود غرفة قيادة لعمليات «حماس» العسكرية داخل أو بأنفاق تحت المقر الصحي، برر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخطوة بالقول: «دخلنا مستشفى الشفاء رغم المطالبة بعدم دخوله لأنه لا يوجد مكان لن نصل إليه».

وغداة تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن «عملياتنا العسكرية وصلت إلى مركز غزة ولن تتوقف، وستشمل كل القطاع، ولن يكون هناك مكان آمن»، نقل عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن «القوات لم تكن تتوقع وجود رهائن داخل الشفاء».

وأمس، أعرب مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة جلعاد إردان عن اعتقاده بأن المرحلة الحالية من الحرب ضد «حماس» قد تنتهي «في غضون أسابيع أو في وقت أقرب»، لكنه لم يذكر أي تفاصيل عن ملامح المرحلة التالية للحملة العسكرية التي تسببت في مقتل 11340 فلسطينيا، 70 في المئة منهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى نزوح 1.5 مليون شخص داخل القطاع الذي يسكنه نحو 2.4 مليون نسمة.

تنديد فلسطيني

في المقابل، دانت وزارة الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية اقتحام «الشفاء»، معتبرة إياه «انتهاكا صارخا» للقانون الدولي والإنساني.

وقالت إن «اقتحام جيش الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي، وغيره من المستشفيات، والمراكز الصحية في قطاع غزة، يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف».

وحمّلت «الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن سلامة الطواقم الطبية والآلاف من المرضى والجرحى والأطفال، بمن فيهم الخدج، والنازحون الموجودون في المجمع»، مطالبة بـ «تدخل دولي عاجل لتوفير الحماية لهم».

في موازاة ذلك، حمَّلت «حماس» إسرائيل والرئيس الأميركي جو بايدن كامل المسؤولية عن اقتحام الجيش الإسرائيلي لـ «الشفاء» بوصفها جريمة وحشية ضد مرفق صحي محمي باتفاقية جنيف. واتهمت البيت الأبيض بإعطاء «الضوء الأخضر» لإسرائيل لاقتحام «الشفاء» وإجبار اللاجئين بداخله على النزوح من الشمال إلى الجنوب بهدف تهجيرهم.

ردود دولية

وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، ندد الناطق باسم وزارة الخارجية الأردنية سفيان القضاة بـ «استمرار الاعتداءات العبثية والحرب المستعرة على غزة وأهلها، واستهداف الأعيان المدنية في القطاع».

وقال إن «تواصل التدمير الممنهج للمرافق المدنية التي تقدّم خدماتها الأساسية للغزيين، وسياسة العقاب الجماعي، تمثل إمعاناً مداناً في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وتمثل جرائم حرب».

وعقب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على الاقتحام بالقول: «كارثة مستشفى الشفاء تجسد الهمجية التي يتيح صمت مجلس الأمن استمرارها... ندين صمت مجلس الأمن على هذه الوحشية، على حرمان الرضّع حاضناتهم في المستشفى... هذا الصمت يغطي جرائم الحرب، صمت لا يمكن تبريره أو قبوله. على المجلس تحمّل مسؤولياته».

من جانبه، اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إسرائيل بأنها «ترتكب جرائم حرب وتنتهك القانون الدولي في غزة»، معتبراً أن نتنياهو، «راحل» عن منصبه، ودعاه إلى «الإفصاح عما إذا كانت بلاده تمتلك قنبلة نووية أم لا».

وجدد الرئيس التركي وصفه لإسرائيل بأنها «دولة إرهابية»، مؤكدا نيته مقاضاتها دولياً «على ارتكابها المجازر بحقّ الشعب الفلسطيني».

وفي مدريد، دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إسرائيل إلى وضع حد لـ «القتل الأعمى للفلسطينيين» في غزة، في أشد انتقاد يوجهه للدولة العبرية منذ اندلاع الحرب. وأكد رئيس الوزراء الاشتراكي وقوفه إلى جانب إسرائيل في «ردها على الهجوم الإرهابي» في السابع من أكتوبر، لكنه وعد بأن تعمل حكومته الجديدة «في أوروبا وفي إسبانيا من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية».

وعلى المنوال نفسه، وصف منسق المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، المداهمات العسكرية في «الشفاء» بالمروعة، في حين نددت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، كاثرين راسل، بـ «المشاهد المفجعة» التي رأتها خلال زيارة قامت بها للقطاع مطالبة بـ «إيقاف هذا الرعب».

وفي بروكسل، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن الاتحاد يدعو إلى إعلان هدن إنسانية في غزة فوراً.

وأضاف: «أشعر بالأسى إزاء الوضع المروع والخسائر الفادحة في الأرواح بكثير من مستشفيات غزة».

ترودو ونتنياهو

كما دعا رئيس وزراء كندا جاستن ترودو إسرائيل إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس» لحماية أرواح المدنيين بالقطاع المحاصر.

وقال ترودو: «يجب أن يتوقف العنف على وجه السرعة، حتى يتسنى حصول الفلسطينيين على الخدمات الطبية والغذاء والوقود والمياه التي يحتاجونها بشدة، بحيث يمكن الإفراج عن المحتجزين».

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض تصريحات ترودو ووبّخه قائلاً: «ليست إسرائيل هي التي استهدفت المدنيين عمداً، وإنما حماس التي قتلت المدنيين في أبشع الفظائع التي ارتكبت ضد اليهود منذ محارق النازي». وأضاف أن «حماس وليست إسرائيل هي التي ينبغي أن تحاسب على ارتكاب جريمة حرب مزدوجة، استهداف المدنيين والاختباء وراء المدنيين».

في السياق، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن «3 قذائف من أصل 4 ضربت مستشفى الشفاء الجمعة الماضية، كانت إسرائيلية»، وذلك وفقا لصور شظايا الأسلحة التي تم جمعها والتحقق منها.

معارك وانتهاكات

وأتت واقعة «الشفاء» التي جذبت الأضواء بالتزامن مع مواصلة الطيران الحربي الإسرائيلي شن غاراته العنيفة على عموم القطاع الذي شهد شماله معارك برية على عدد من المحاور بين الجيش الإسرائيلي و«حماس». وقتل 5 أشخاص في استهداف إسرائيل لمنزل في خان يونس، في حين فجرت القوات الإسرائيلية مقر المجلس التشريعي بوسط مدينة غزة.

وفي تطور لافت، أعلنت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة الجهاد إسقاط طائرة إسرائيلية مسيّرة من طراز سكاي لارك، وقالت إنها سيطرت عليها.

من جهة أخرى، ذكرت الأمم المتحدة، أن قوات الجيش الإسرائيلي تنفذ عمليات اعتقال بحق الفلسطينيين النازحين من وسط مدينة غزة وشمالها إلى مناطق وسط وجنوب القطاع.

وأفاد المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في بيان، بأنه تم رصد عمليات اعتقال ومزاعم بالضرب والتجريد من الملابس، وأشكال عنف أخرى تمارسها القوات الإسرائيلية بحق النازحين.

وبرزت، أمس، اتهامات للجيش الإسرائيلي بقتل مسنّ فلسطيني بعد استخدامه في لقطات دعائية تظهر مساعدته خلال انتقاله عبر «ممر آمن» للنزوح من شمال القطاع إلى جنوبه قرب الحدود المصرية.

وقدر فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة أن ما بين 17 و18 ألف شخص انتقلوا إلى وسط وجنوب القطاع، وهو عدد أقل بكثير مما كان عليه في الأيام السابقة.

وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، تأثر النازحون الذين يقيمون خارج مراكز الإيواء المكتظة في الجنوب بالأمطار المتقطعة، مما أدى إلى إتلاف أو تدمير الخيام والملاجئ المؤقتة التي يعيشون فيها.

تحذير مصري

في هذه الأثناء، حذر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، من اتساع دائرة الصراع والتصعيد في المنطقة. كما تناول اللقاء الأوضاع الإقليمية، والتطورات في غزة.

وأكد السيسي، بحسب بيان للرئاسة المصرية، أهمية تجنب اتساع دائرة الصراع والتصعيد في المنطقة، واستعرض الجهود المصرية المكثفة نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، فضلاً عن استقبال المصابين الفلسطينيين وإجلاء الرعايا الأجانب.

وأمس، أفيد بدخول أول شاحنة وقود إلى القطاع المحاصر بشكل كامل، منذ بدء الحرب، عبر معبر رفح، لكن منظمة الأونروا أوضحت أن الشحنة تستخدم فقط لتزويد شاحناتها وغير مخصصة لإنتاج الكهرباء أو تحلية المياه، وأكدت أنها لا تلبي أي احتياجات للسكان، في حين حذرت الأمم المتحدة من أن عملياتها الإنسانية ستنهار خلال 48 ساعة بالقطاع في حال لم تزود بالموارد الضرورية للعمل.

بيليز تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب
أعلنت بيليز، أمس الأول، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب قصفها المتواصل لقطاع غزة منذ هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر.

وقالت حكومة البلد الواقع في أميركا الوسطى، في بيان، إنها «سحبت» اعتماد السفارة الإسرائيلية في العاصمة بلموبان، وعلّقت «كل أنشطة» ممثل إسرائيل لديها، في قرار يدخل حيّز التنفيذ «فورا».

وعزا البيان هذا الإجراء الى مقتل «مدنيين أبرياء» في غزة، حيث يتواصل قصف إسرائيلي كثيف أودى بـ 11 ألفا و320 شخصا، غالبيتهم مدنيون وبينهم 4650 طفلا، بحسب حكومة «حماس».

وبيليز، التي كانت تعرف سابقا بـ «هندوراس البريطانية»، هي دولة صغيرة (نحو 23 الف كيلومتر مربع) ذات نظام ملكي دستوري يحدها من الشمال المكسيك ومن الجنوب والغرب غواتيمالا، وإلى الشرق البحر الكاريبي، وهي الدولة الوحيدة في أميركا الوسطى، حيث اللغة الإنكليزية هي اللغة الرسمية، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة ذات التراث الاستعماري البريطاني.

وبيليز ثاني بلد في أميركا اللاتينية يعلن قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل منذ بدء الحرب، بعد بوليفيا في 1 نوفمبر. في المقابل، استدعت كولومبيا وتشيلي وهندوراس سفراءها في إسرائيل للتشاور.

.

«قنابل الرغوة» للأنفاق

أفادت صحيفة لوفيغارو الفرنسية بأن إسرائيل تدرس استخدام «القنابل الإسفنجية» لمحاولة إغلاق أنفاق حركة حماس في قطاع غزة، وهي قنابل لا تحتوي في الواقع على أي مادة متفجرة، بل تتكون من سائلين موجودين في الكيس نفسه، ويفصل بينهما حاجز معدني، وعندما يتم إلقاؤها في الأنفاق يختلط المنتجان مسببين تفاعلا كيميائيا، ثم تنتشر موجة من الرغوة قبل أن تتوسع وتتصلب لتسد تجاويف النفق، ولا تسبب هذه السوائل انفجارات، وبالتالي تحد من الأضرار الجانبية، كما أنها مقاومة للماء والمواد الكيماوية وغير قابلة للاشتعال.

ووصف معهد الحرب الحديثة في الأكاديمية العسكرية الأميركية «ويست بوينت» أنفاق غزة بأنها «كابوس تحت الأرض»، وهي تمتد بين 300 و500 كيلومتر، وتم حفرها على عمق يتراوح بين 40 و50 مترا، ويمكن أن تكون مجهزة بوسائل اتصال وإضاءة وحتى تهوية متطورة. وبحسب الصحيفة الفرنسية، ستعطي «القنابل الإسفنجية» إسرائيل ميزة عسكرية كبيرة، وهي أن «نظام الرغوة المتوسع» سيملأ مساحات تبلغ عشرات الأمتار المكعبة، مما يجعل الأنفاق غير صالحة للاستخدام بشكل دائم.

back to top