كانت الساحة السياسية والانتخابات في الكويت فسحة ووسيلة لإدارة الاختلافات الفكرية والاجتماعية بين الكويتيين كما يجب لها أن تكون، فلو أن البشر كانوا نسخة واحدة مكررة لما اختلفوا ووصلوا إلى حل الديموقراطية التي أخذنا صندوقها وتركنا الباقي على قارعة طريق التقدم الحضاري المأمول، كذلك كانت المعايير أعلى، والناس ومعهم السياسيون أكثر تسامحاً وتسامياً وانفتاحاً وعقلانية ــ إلى حد ما ــ وتقبلاً للآخر ورأيه، يتجادلون ويحتدون ويصوتون ثم يقلبون الصفحة بلا عداوات أو ضغينة أو شخصنة أكثر من اللازم، لم تكن الصورة وردية لكنها لم تكن بهذه القتامة التي نراها اليوم أيضاً.

اليوم عند مناقشة أي قضية، سواء كانت داخلية أو خارجية، تنفرز الناس فوراً وغالباً بفعل فاعل مستتر إلى فريقين لا ثالث معهما، أغلبية وأقلية، مع أو ضد، مع النادي أو الإسطبل، أبيض وأسود، وفي غالب الأحوال وبدلاً من تولي زمام قيادة الشارع صار النواب والساسة هم التُّبع بعد أن كانوا في المقدمة، وأصبح كل من الفريقين يعتقد أن مثل هذا الاصطفاف السريع يعفيه من التفكير وتقليب الأفكار ومحاولة استيعاب حقيقة الموضوع من كل الأوجه، أما من يحاول ذلك وصولاً إلى الحلول الوسط أو الطريق الثالث أو الرأي المختلف عن الأغلبية المرصوصة يواجه التخوين والشيطنة والتسفيه وهذا أهونها، حتى وإن كان الخلاف فنياً بحتاً لا يحتمل التأويل.

Ad

لنا في طوفان غزة وحزمة القوانين المتفق عليها مع الحكومة مثال جارٍ، فلا رأي يجب أن يناقش أو يحلل ما يحدث هناك بطريقة مغايرة وإلا فسيحجز من الآن مقعده في النار بعد الانتهاء من تخوينه واتهامه بالقتل ووصمه بالعار المكلل، وبحجة اقتناص فرصة التعاون أو الانبطاح الحكومي يتم سلق القوانين بالكيلو لتحقيق النقاط التاريخية في مواجهة الخصوم والمنافسين، وليواجه الناس بعد ذلك ثغرات وعيوباً مثل هذه الإقرارات المستعجلة، فإن تجرأ أحد فعليه تحمل التهم المعلبة التي تتناسب مع وضعه الاجتماعي ما بين «دولة عميقة» أو «غرفة تجارة» وما بينهما الكثير من العلب الصغيرة التي يتم صناعتها غالباً في مصنع «كل من يرى الناس بعين طبعه» المحلي... عسى أن يحرمنا الله منه ومن إنتاجه إلى الأبد.