دمج الشركات النفطية فرصة لإصلاح القطاع... فلا تضيعوها تقرير اقتصادي
● الدمج ينبغي أن يستهدف تطويراً شاملاً ينهض بالمؤسسة دون اقتصار على تقليص المصروفات
● القطاع عانى خلال السنوات الماضية الشللية وإخفاق المشاريع وانخفاض مهنية الشركات
عاد إلى الواجهة، مجدداً، ملف دمج شركات القطاع النفطي في 4 أو 5 كيانات رئيسية تتبع مؤسسة البترول الكويتية، حيث يفضي الدمج في نهاية المطاف إلى توحيد الأعمال المتشابهة في شركات متخصصة تتولى عمليات الإنتاج والتكرير والتسويق والاستثمارات الخارجية، وربما هناك كيان خامس يرتبط بإنتاج البتروكيماويات.
مشروع استراتيجي
في الحقيقة، فإن دمج شركات القطاع النفطي مشروع ضخم من الناحية الاستراتيجية، وهو في حقيقته يجب أن يكون ضمن إعادة هيكلة شاملة للقطاع وليس فقط للمصروفات أو الرواتب، إنما مدخل لتطوير فلسفة القطاع النفطي في البلاد، خصوصا من ناحية إيجاد بيئة حوكمة تجنّب القطاع ضغوط الصراعات التي لعبت دوراً سيئاً خلال السنوات الماضية في عملية اختيار القياديين.
شللية
عانى القطاع النفطي، خلال السنوات القليلة الماضية، أوضاعاً إدارية سيئة، لدرجة بات فيها الولاء لقيادي في المؤسسة أو لمتنفذ خارجها أهم بكثير من معايير الكفاءة، الأمر الذي أشاع درجة عالية من الشللية انعكست على ترقية المحسوبين في معظم الأحوال واستبعاد غيرهم.
إخفاقات المشاريع
كذلك يقف القطاع النفطي اليوم أمام مسؤولية معالجة إخفاقات غير مسبوقة في مستوى المشاريع الاستراتيجية، إذ تقف مصفاة فيتنام ومشروع البولي برولين في كندا على شفا الإفلاس، وظهرت مخالفات جسيمة في مشروع استثمار حقلي «الما وغالية» في بحر الشمال وضبابية موقف الاستثمار في مصفاة الدقم، فضلاً عن تأخر إنجاز تشغيل مشروع الوقود البيئي لأكثر من عامين، ناهيك بفشل القطاع النفطي في تحقيق هدفه، بزيادة إنتاج النفط إلى 3.65 ملايين برميل يومياً عام 2020 ضمن استراتيجية القطاع لعام 2040.
ضبط المصروفات
وحتى مناقشة المصروفات في القطاع، والتي تستغرق الجانب الأكبر من المناقشات يجب ألا تقتصر على مسألة المصروفات الجارية كالرواتب فقط، إنما على مالية القطاع النفطي بمنظورها الشامل من حيث ارتفاع تكاليف المشاريع الذي يعتبر - الى جانب الرواتب - مسبّبين رئيسيين لتضاعف تكلفة إنتاج برميل النفط خلال 10 سنوات، وصولاً إلى 8 دولارات للبرميل، فضلاً عن تراكم الأرباح المحتجزة عند مؤسسة البترول بحدود 8 مليارات دينار لمصلحة الخزينة العامة للدولة وفق آلية سداد تصل إلى 15 عاماً، في وقت تسعى المؤسسة إلى الاقتراض لتعويض نقص السيولة اللازم لمشاريعها والتزاماتها، لذلك من المهم أن تخضع مالية القطاع النفطي من حيث المصروفات أو الإيرادات أو التمويل لنظام حوكمة صارم يتميز بالشفافية، ناهيك بالكفاءة.
تحديات النفط
لا شك في أن عالم الطاقة اليوم يشهد تحديات جوهرية تمسّ كل ما تعارف عليه عالم الصناعة النفطية التقليدية، لا سيما في الاتجاه العالم نحو السياسات الأكثر صداقة للبيئة، وأبرزها تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وتسعير الانبعاثات الكربونية، وزيادة إنتاج السيارات الكهربائية، والتوسع في الضرائب البيئية على رحلات النقل والطيران، ناهيك بتوّجه كبريات شركات الطاقة التقليدية حول العالم، مثل شل وبريتش بتروليوم وتوتال نحو الاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة والنظيفة، في حين ألغت مؤسسة البترول الكويتية عام 2020 مشروعها الوحيد للطاقة المتجددة، وهو مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية، لذلك من الواجب أن تمتد آثار الدمج إلى فهم التحولات الجديدة في عالم الطاقة.
أهمية الأبحاث
وبالتبعية لهذا التحول العالمي، بات التوجه نحو الاستثمار في الدراسات والأبحاث كعنصر أساسي في فهم تحولات أسواق الطاقة، خصوصاً فيما يتعلّق بمستقبل الطلب على النفط وما ينعكس على التوسع في المشاريع والمنتجات والأسواق، وهذه كلها تحتاج الى معلومات دقيقة وقراءة علمية يحتاج إليها القطاع النفطي لفهم مدى منافسة النفط الصخري لنظيره التقليدي مثلا، أو مدى تشكيل التوسع في الطاقة النظيفة تحدياً للطاقة التقليدية، ناهيك بأوضاع أسواق الطاقة ما بعد مرحلة الحرب الروسية - الأوكرانية، أو ما بعد مرحلة اتفاق «أوبك بلس» على خفض الإنتاج، لذلك فإن اعتماد القطاع النفطي على جهاز للدراسات والأبحاث سيمنحه قدرة أكبر في التعامل مع أي مستجدات وتحديات.
كذلك من المهم أن يفضي الدمج إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب الكويتيين في القطاع النفطي، بالتزامن مع مراجعة جدوى ما يُعرف بـ «عقود المقاولين» التي رفعت كلفة التشغيل في مشاريع القطاع، وخفضت من مهنية الشركات النفطية، وقللت فرص العمل الحقيقية للشباب الكويتيين فيها، بالتالي، فإن دمج الشركات النفطية إن كان سيخفض الوظائف المتشابهة، لا سيما الإدارية في القطاع، فإن من نتائجه الضرورية لتقييم نجاحه خلق فرص عمل جديدة في قطاعات يعاد هيكلتها، كالإنشاء والمقاولات والحفر والإنتاج والتكرير وغيرها، أو في قطاعات مستحدثة كالطاقة المتجددة أو البيئة أو الأبحاث.
إن دمج شركات القطاع النفطي مشروع استراتيجي ضخم يجب أن تتضافر الجهود لنجاحه، حيث يكون نقطة انطلاق تتلافى السلبيات السابقة، وتفهم التحولات الحالية عالمياً، وتلحق بنظيراتها من الشركات المماثلة إقليمياً وعالمياً.
ومثل أي نقاش اقتصادي في الكويت، ينحصر التركيز والنقاش على النواحي المالية كخفض المصروفات الخاصة بالتشغيل أو إبداء المخاوف بشأن مكتسبات العاملين في القطاع النفطي، مع إعطاء أهمية أقل كالعادة لكفاءة القطاع أو التشغيل أو النجاح في المشاريع، وهذا توجّه ربما يضيع على القطاع النفطي - أهم قطاع اقتصادي في البلاد - فرصة جني ثمار الدمج في تحقيق نقلة نوعية بعد سنوات شهدت العديد من العثرات والإخفاقات غير المسبوقة للقطاع النفطي.تكلفة إنتاج النفط تضاعفت خلال 10 سنوات إلى 8 دولارات للبرميل
مشروع استراتيجي
في الحقيقة، فإن دمج شركات القطاع النفطي مشروع ضخم من الناحية الاستراتيجية، وهو في حقيقته يجب أن يكون ضمن إعادة هيكلة شاملة للقطاع وليس فقط للمصروفات أو الرواتب، إنما مدخل لتطوير فلسفة القطاع النفطي في البلاد، خصوصا من ناحية إيجاد بيئة حوكمة تجنّب القطاع ضغوط الصراعات التي لعبت دوراً سيئاً خلال السنوات الماضية في عملية اختيار القياديين.
شللية
عانى القطاع النفطي، خلال السنوات القليلة الماضية، أوضاعاً إدارية سيئة، لدرجة بات فيها الولاء لقيادي في المؤسسة أو لمتنفذ خارجها أهم بكثير من معايير الكفاءة، الأمر الذي أشاع درجة عالية من الشللية انعكست على ترقية المحسوبين في معظم الأحوال واستبعاد غيرهم.
ومن المهم عندما نتحدث عن حوكمة القطاع النفطي ألا نتغافل عن الأزمة المتنامية في خلال السنوات الأخيرة، والتي تتمثل في نقص الخبرات الوطنية بسبب «باكيجات» التقاعد المبكر التي أدت إلى تفريغ القطاع من الخبرات والكفاءات.نحتاج إلى استثمارات في قطاع الدراسات والأبحاث لفهم تحولات أسواق الطاقة خصوصاً فيما يتعلّق بمستقبل الطلب على النفط
إخفاقات المشاريع
كذلك يقف القطاع النفطي اليوم أمام مسؤولية معالجة إخفاقات غير مسبوقة في مستوى المشاريع الاستراتيجية، إذ تقف مصفاة فيتنام ومشروع البولي برولين في كندا على شفا الإفلاس، وظهرت مخالفات جسيمة في مشروع استثمار حقلي «الما وغالية» في بحر الشمال وضبابية موقف الاستثمار في مصفاة الدقم، فضلاً عن تأخر إنجاز تشغيل مشروع الوقود البيئي لأكثر من عامين، ناهيك بفشل القطاع النفطي في تحقيق هدفه، بزيادة إنتاج النفط إلى 3.65 ملايين برميل يومياً عام 2020 ضمن استراتيجية القطاع لعام 2040.
ضبط المصروفات
وحتى مناقشة المصروفات في القطاع، والتي تستغرق الجانب الأكبر من المناقشات يجب ألا تقتصر على مسألة المصروفات الجارية كالرواتب فقط، إنما على مالية القطاع النفطي بمنظورها الشامل من حيث ارتفاع تكاليف المشاريع الذي يعتبر - الى جانب الرواتب - مسبّبين رئيسيين لتضاعف تكلفة إنتاج برميل النفط خلال 10 سنوات، وصولاً إلى 8 دولارات للبرميل، فضلاً عن تراكم الأرباح المحتجزة عند مؤسسة البترول بحدود 8 مليارات دينار لمصلحة الخزينة العامة للدولة وفق آلية سداد تصل إلى 15 عاماً، في وقت تسعى المؤسسة إلى الاقتراض لتعويض نقص السيولة اللازم لمشاريعها والتزاماتها، لذلك من المهم أن تخضع مالية القطاع النفطي من حيث المصروفات أو الإيرادات أو التمويل لنظام حوكمة صارم يتميز بالشفافية، ناهيك بالكفاءة.
تحديات النفط
لا شك في أن عالم الطاقة اليوم يشهد تحديات جوهرية تمسّ كل ما تعارف عليه عالم الصناعة النفطية التقليدية، لا سيما في الاتجاه العالم نحو السياسات الأكثر صداقة للبيئة، وأبرزها تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وتسعير الانبعاثات الكربونية، وزيادة إنتاج السيارات الكهربائية، والتوسع في الضرائب البيئية على رحلات النقل والطيران، ناهيك بتوّجه كبريات شركات الطاقة التقليدية حول العالم، مثل شل وبريتش بتروليوم وتوتال نحو الاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة والنظيفة، في حين ألغت مؤسسة البترول الكويتية عام 2020 مشروعها الوحيد للطاقة المتجددة، وهو مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية، لذلك من الواجب أن تمتد آثار الدمج إلى فهم التحولات الجديدة في عالم الطاقة.
أهمية الأبحاث
وبالتبعية لهذا التحول العالمي، بات التوجه نحو الاستثمار في الدراسات والأبحاث كعنصر أساسي في فهم تحولات أسواق الطاقة، خصوصاً فيما يتعلّق بمستقبل الطلب على النفط وما ينعكس على التوسع في المشاريع والمنتجات والأسواق، وهذه كلها تحتاج الى معلومات دقيقة وقراءة علمية يحتاج إليها القطاع النفطي لفهم مدى منافسة النفط الصخري لنظيره التقليدي مثلا، أو مدى تشكيل التوسع في الطاقة النظيفة تحدياً للطاقة التقليدية، ناهيك بأوضاع أسواق الطاقة ما بعد مرحلة الحرب الروسية - الأوكرانية، أو ما بعد مرحلة اتفاق «أوبك بلس» على خفض الإنتاج، لذلك فإن اعتماد القطاع النفطي على جهاز للدراسات والأبحاث سيمنحه قدرة أكبر في التعامل مع أي مستجدات وتحديات.
المقاولون والتشغيلعالَم الطاقة يشهد تحديات جوهرية تمسّ كل ما تعارف عليه عالم الصناعة النفطية التقليدية
كذلك من المهم أن يفضي الدمج إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب الكويتيين في القطاع النفطي، بالتزامن مع مراجعة جدوى ما يُعرف بـ «عقود المقاولين» التي رفعت كلفة التشغيل في مشاريع القطاع، وخفضت من مهنية الشركات النفطية، وقللت فرص العمل الحقيقية للشباب الكويتيين فيها، بالتالي، فإن دمج الشركات النفطية إن كان سيخفض الوظائف المتشابهة، لا سيما الإدارية في القطاع، فإن من نتائجه الضرورية لتقييم نجاحه خلق فرص عمل جديدة في قطاعات يعاد هيكلتها، كالإنشاء والمقاولات والحفر والإنتاج والتكرير وغيرها، أو في قطاعات مستحدثة كالطاقة المتجددة أو البيئة أو الأبحاث.
إن دمج شركات القطاع النفطي مشروع استراتيجي ضخم يجب أن تتضافر الجهود لنجاحه، حيث يكون نقطة انطلاق تتلافى السلبيات السابقة، وتفهم التحولات الحالية عالمياً، وتلحق بنظيراتها من الشركات المماثلة إقليمياً وعالمياً.