مشهدان مسرحيان ساخران في ثمانينيات القرن الماضي، الأول عام 1985، والثاني عام 1988، احتويا على تنبؤات لم تقدّمها أهم الدراسات الأكاديمية والعلمية لواقعنا الحالي.
نبدأ بمسرحية حامي الديار، التي احتوت على مشهد القهوة الشعبية جامعة الأضداد، لينبري سعد الفرج ممتطياً بشته، ومبشراً بنيّة الحكومة إسقاط جميع القروض عن كاهل مواطنيها، وكأنه أحد مرتزقة «سناب» و«تويتر» (X)، الذين يبشرون الناس بين حين وآخر بمفاجآت، بزعم قربهم من أصحاب القرار! ويجيبه خالد النفيسي ساخراً باقتراح أكثر مزايدة بتوزيع ثروة الأجيال القادمة على الأسر الكويتية.
تمضي السنون، وتنتقل هذه الاقتراحات الشعبية من القهوة الشعبية إلى السلطة الشعبية، من وهم إسقاط القروض الذي يطفو ويخبو منذ 16 عاماً، إلى مطلع العام الحالي عندما قام خمسة نوّاب بتقديم اقتراح برلماني باقتطاع نسبة 20 في المئة من عوائد استثمار احتياطي الأجيال القادمة، وتسليمها لكل من أتم سنّ الرشد بنهاية كل سنة مالية، يا لها من مفارقة أن يكون ممثلو المسرح أكثر وطنيةً ووعياً وإخلاصاً وصدقاً من ممثلي الأمة!
ننتقل إلى المشهد الثاني، ففي عام 1988 قام المؤلف الراحل محمد الرشود بتأليف وتقديم مسرحية تتناول الشأن الرياضي بعنوان «الكرة مدورة».
في الفصل الأخير من المسرحية الساخرة، ارتأى المؤلف أن يصدم الجمهور بنهاية لا تخطر على البال، وذلك بأن ينهزم منتخب الكويت لكرة القدم من نظيره الهندي، لم يكن مجرد التفكير في تلك الهزيمة منطقياً، فوفق أول تصنيف صادر عن «فيفا» لمستوى المنتخبات الوطنية عام 1992، كان ترتيب الكويت التاسع آسيوياً، مع تذيّل المنتخب الهندي القائمة برفقة نيبال وباكستان.
تمضي الأيام وتصبح نبوءة الرشود أكثر تفاؤلاً من الواقع، ففي المسرحية تلقّى منتخبنا هزيمته على أرض الهند، أما في الواقع فقد تلقّت الكويت الهزيمة على أرضها وبين جماهيرها في افتتاح تصفيات كأس العالم 2026 بالمجموعة الآسيوية الأكثر سهولة! لتضيع بذلك 4 سنوات أخرى من الحلم المونديالي، الذي سيقام للمرة الثانية لدى أشقائنا الخليجيين خلال 12 عاماً، أسعدهم الله.
أسوأ ما في الهزيمة أننا اعتدناها، فقدنا غيرتنا، كما فقدنا روح التحدي والمبادرة، ارتضينا أن نكون شهود صمت على الانحدار والفشل والعجز في ظل حكومات ومجالس بائسة متعاقبة ليس لها مشروع سوى إرضاء قواعد منصة X (للأشياء من أسمائها نصيب)، وشراء الولاءات بتوزيع الأموال والمناصب (والبشوت) بلا أي مبالاة بالنتائج في دولة كيدزانيا العظمى، وهذا موضوع مقال لاحق!