أنانية
استعرض كريستوف لاش مفهوم الأنانية وتنوعاتها في كتابه «ثقافة الأنانية، الحياة الأميركية في زمن تضاؤل الآمال».
تعقَّب الكاتب ثقافة الأنانية وجذورها كنتيجة لازمة لثقافة التنافس الفردية، وهي ثقافة لا تظهر نفسها على أنها تريد فرض ذاتها على الغير، بل تتسم بالقلق والبحث عن معنى الحياة.
الأناني في رأي الكاتب لا يكترث للمستقبل، لأنه لم يهتم قَط بالماضي، وهو يجد صعوبة في تخزين الذكريات الجميلة، كي يستدعيها في القادم من عُمره.
هو مهووس بالأكل الصحي، لدرجة المبالغة، والبحث عن دروس خصوصية للرقص أو اليوغا، وغيرها، من أجل إسعاد نفسه في لحظته الحاضرة، دون النظر إلى واقع الآخرين وحياتهم ومعاناتهم.
الأناني يمثل اتجاهاً نفسياً بالاعتماد على الغير، لنفخ ذاته وغطرسته، ويسيطر عليه وَهْم كبير في قوته وقدراته الخاصة. هو لا يمكنه أن يحيا دون مستمعين له، أو قارئين مثلاً لكتاباته، فهو يحرص على إبراز ذاته كمتميز وعلامة اجتماعية، كأن يكون صاحب فكر أو رأي يهلل له الجُهلاء من الناس، رغم خوائه وغياب روح الجدية في ذاته.
الأناني هو النرجسي الذي يتأمل ذاته على صفحة الماء مبهوراً بجماله، كما تقول أسطورة «نرجس»، لذلك كان البحث عن الشهرة ووهمها يسيطران عليه، وتتملكه عندها روح الاستهلاك السلعي للحظة الحاضرة. ي
بحث عن سيارة فارهة، ساعة ثمينة، منزل فخم.
هو يبحث عن كل ما يجذب انتباه الآخرين، متوقعاً إطراءهم له ولملكيته.
الأناني يسقط قلقه الذاتي على النظام السياسي، ويروم لتعديله حسب ما تقتضيه مصلحته الخاصة في زمنه الآني، وعلى هذا قد تمثل النيوليبرالية صورة جيدة لحال الروح الأنانية، فتلك الروح هي الأفيون الذي يصيب الطبقة الوسطى حين تغرق في نهم الاستهلاك الريعي، وتتناسى مستقبلها، أو تتجنب قراءته ببصيرة واعية.
حين نطالع اقتراحات ومشاريع عدد من النواب لتكييش ميزانية الدولة الآن وهدر ذخيرة الغد، ونتأمل كذلك مواقف السُّلطة السياسية تاريخياً، بعدم مبالاتها للقادم وسباق أشخاصها لشراء الولاءات السياسية بالعطاءات المالية دون التوقف جدياً للتفكير بتحديات الغد، فإننا نلمس باليد مصافحين ومعانقين تلك الثقافة الأنانية، فليضع العقلاء أيديهم على قلوبهم لأيام الخيبات المحتملة.