هل تريد إلغاء المقاطعة والتعامل مع الكيان؟
التفاعل مع أي رأي أو فكرة أعده ظاهرة صحية تشعرني بالرضا والأمان، فالمقال الذي كتبته الأسبوع الماضي «كيف نفهم مقاطعة إسرائيل؟» كان محل انتقاد بقدر ما كان محل ترحيب، في حين رأى آخرون أن الجانب الكويتي لم يُعطَ حقه، لذلك وجدت أن من حق الزملاء والقراء إعطاءهم فرصة للتعبير عن وجهة نظرهم ونحن في خضم الحرب المفتوحة والصاعقة.
وفي أجواء كهذه يكون الصوت الأعلى هو الأكثر انفعالاً، فقد علمتنا المنازلات الكبرى والحروب المتوالية والأزمات الدينية أن العالم العربي والإسلامي يؤخذ بالعاطفة والشعارات، وتغلب عليه ردات الفعل الانفعالية، وهذا ليس تقليلاً من شأن فكرة المقاطعة أو أنها بلا جدوى، لكن كيفية التعاطي معها ومستوى هذا التعاطي والالتزام به والعمل بمضامينه هي التي تحكم أو هي الفيصل.
نحن جميعاً معنيون بما يحصل في فلسطين المحتلة، إنما المسألة لا تقاس بلحظتها الراهنة بل بفاعليتها على المدى الأطول والقناعة بها والمعطيات القائمة على الأرض وبين البشر أصحاب العلاقة؟ (انظر مقال الزميل د.عبدالعزيز إبراهيم التركي بعنوان المقاطعة التدرجية المستدامة المنشور يوم 15/ 11/ 2023 في جريدة «الجريدة»)
ننظر إلى المقاطعة اليوم وغداً وبعد غد، هل نحن مهيأون ومستعدون ولدينا الإمكانية والقدرة، وفوق ذلك القرار السياسي الواضح والحازم بالدرجة الأولى، أم أن الصورة التي نعيشها حالياً مختلفة تماما عما كانت عليه قبل 50 أو 60 سنة؟
مرت سنون ونحن نشجب ونقاطع ونرتدي الكوفية ونرفع علم فلسطين ونتظاهر ولم يتغير أي شيء، بل إلى الأسوأ، كلما وقعت أزمة نادينا بالمقاطعة، ونسينا حتى تمزيق القرآن الكريم والكاريكاتير المسيء للإسلام فماذا حصل في المقاطعة التي أعلنوها، وكأن شيئا لم يكن، والحكومات العربية لا تريد التدخل وهي في واد آخر، فهي تشجب باستحياء، والشعوب العربية لا تملك القرار ولا القدرة على الضغط عليها.
لنعط الفرصة إلى الزملاء والأصدقاء الذين كانت لهم وجهات نظر أخرى، الزميل والباحث د.عادل عبدالمغني كتب معلقاً يقول: «كان بودي لو أشرت إلى الكويت فهي السباقة عندما أنشأت (مكتب مقاطعة إسرائيل في الكويت) منذ عام 1957 وما زال المكتب قائماً وموجوداً ويطبق القرارات بحذافيرها لأي منتج يثبت مصدره إسرائيل، أو إذا كانت الشركة مملوكة لإسرائيليين خارج دولتهم، وعلى أثر ذلك يمنع دخول البضائع للكويت.
إذا تتذكر ولا أدري إن كنت موجوداً في هذه الفترة في الكويت أم لا، تم منع دخول سيارات فورد والكوكا كولا، وشعرت الشركتان ببعض الخسائر مما جعلهما تقدمان إثباتاً أن الشركتين مملوكتان بالكامل للأميركيين! وأيضا أتذكر وما زالت مجلة «الاقتصادي الكويتي» التي تصدرها غرفة التجارة وصناعة الكويت ولكوني عضواً في الغرفة، كانت تصلني ويدرج فيها اسم الشركات الإسرائيلية لتحذير التجار والمستوردين الكويتيين بعدم التعامل مع هذه الشركات!
فيما يتعلق بالدول العربية التي طبعت أو أرادت التطبيع مع الكيان الصهيوني وهذا شأنها ولا نتدخل في قراراتها حفظاً للود، لكن ما يهمنا هو موقف الكويت الصلب والثابت بعدم التعامل مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال.
وما أثير في الآونة الأخيرة بشأن مقاطعة بعض المواطنين لشركات المواد الغذائية، فهو لأسباب آخرى لا تتعلق بملكية هذه الشركات ليهود إنما لتعاطفهم مع إسرائيل كما شاهدنا في وسائل الإعلام بتقديم وجبات مجانية للجنود، وهذا ما أثار ردود فعل الناس في الكويت، علما أن الكثير من الشركات الأجنبية تتعاطف مع الكيان الصهيوني ولكن غير مدرجة من حيث إن ملاكها يهود».
الصديق والناشط وليد خلف تساءل عن الهدف من المقال الذي كتبته؟ هل للتعريف بمقاطعة الكيان أم أن الفكرة لا طائل منها؟ والكاتب والإعلامي البحريني غسان الشهابي أرسل قصة لرجل أميركي كان يحتج بمفرده على حرب فيتنام ويذهب يومياً إلى البيت الأبيض، رد على سؤال وجهه له أحد الصحافيين: «أنا لا آتي إلى هنا لأغيّر شيئاً، بل حتى لا يغيروا من إنسانيتي وسأبقى أقول الحقيقة»، وهذا ما ينطبق على المقاطعة لإسرائيل.
المهندسة الناشطة اعتدال شريف من الأردن رأت أن المقاطعة تعود للشعوب لا الأنظمة، ونحن نلتزم بحقنا والمحيط يشرب من الساقية ونعطي دروساً للعالم كيف نكون أحراراً ومستقلين.