كل جريمة ولها عقابها، وكل مجرم وله قصاصه، فالقاتل يُقتل، والسارق والمزور والراشي والمرتشي يُسجن، كل حسب جريمته، فهذا هو المفترض.
حتى الدول، مهما صغرت أو كبرت، لا تستطيع أن تتهرب من جرائمها التي ترتكبها، أو ارتكبتها في حق دول أخرى، فالعقوبات تلاحقها حتى تسدّد ما عليها، أما من تستطيع أن تقرر ثم تنفذ تلك العقوبات ونوعيتها وتكلفتها فهي أميركا وتابعها الغرب، تبعا لمصالحها الخاصة بها، إنها حقيقة واقعة.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فالمهزومون في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتحديداً ألمانيا واليابان، لم يفلتوا من العقوبات الغربية، وفي زمننا الحاضر دول كثيرة واجهت عقوبات غربية نظير اعتداءاتها على غيرها، فالعراق لم يفلت من جرائمه ضد الكويت فسدد كل ما عليه، والصرب عوقبوا على جرائمهم ضد البوسنة، والصين تواجه عقوبات اقتصادية لتمردها على الغرب، وروسيا الآن تواجه عقوبات اقتصادية شرسة لهجومها على الأراضي الأوكرانية.
الكل واجه ويواجه عقوبات، بشكل أو بآخر، وبطرق عدة تراوحت ما بين الحصار الكامل، أو الجزئي، أو ضد مؤسسات أو أفراد، إلا إسرائيل، إنها الكيان الوحيد المحصّن من الغرب، فمهما ارتكبت من جرائم، ومهما انتهكت من حقوق للإنسان والإنسانية، ومهما احتلت واستولت على أراضي غيرها فلا أحد يريد، أو حتى يتجرأ البوح بنية عقابها.
إسرائيل وحدها المحمية اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا حتى عسكريا ضد العقوبات الدولية رغم جرائمها البشعة والوحشية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، فقضيته أهملت، وأراضيه استبيحت على مدى 75 عاماً وهو ينتظر بلا حول له ولا قوة العدل الذي لم يأت من مجلسي الأمن والأمم المتحدة، فقد تخليا عنه من أجل عيون إسرائيل، وتنفيذاً لرغبات الغرب الظالمة.
أمر محير فعلا، فالعالم أجمع يشاهد مباشرة تلك الجرائم، ويغض الطرف عنها، بل إن أميركا والغرب تحديدا يرفضان حتى التفكير في وقفها، أليس مخزياً وعاراً أن يفزع هذا الغرب لأوكرانيا بالمال والسلاح والإعلام، ويفرض العقوبات على روسيا الدولة المعتدية، ولا يقف مع الفلسطينيين ضد إسرائيل المعتدية بل يمدها بالمال والسلاح، وحتى الجند؟
أما الأكثر إيلاما ومدعاة للاحتقار فهو تغيير المسميات الإنسانية، فيحولون الدولة المهيمنة القوية المحتلة الى ضحية، فهل سمع أحد منكم، على مر التاريخ، أن تكون القوة الغاشمة المحتلة لأراضي غيرها هي الضحية؟
إنها جريمة إنسانية لا مثيل لها على مر التاريخ بأن تتضافر دول غربية تدّعي الحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان، وحتى الرفق بالحيوان، ولا يرف لها جفن، وهي ترى بأم عينها الضحايا المدنيين من الفلسطينيين وهم يتساقطون يوميا تحت قصف متواصل، تهدم عليهم منازلهم، وتدمر مستشفياتهم على من فيها، إنها موازين لا أخلاقية تثير الاشمئزاز.
إنه عالم اختلت فيه موازين العدالة، إنه زمن لا يفلت فيه من العقاب إلا إسرائيل في فلسطين، وسرّاق المال العام في الكويت، فكل منهما يدّعي أنه الضحية.