بالتزامن مع اقتراب وقف لإطلاق النار في غزة، وزيارة مستشار الرئيس الأميركي، آموس هوكشتاين، لإسرائيل، تقترب جبهة لبنان من نقطة الانفجار رغم المساعي الأميركية المستمرة مع إيران، وحزب الله، وتل أبيب، لعدم الذهاب إلى حرب مفتوحة، والحديث عن مواجهات مضبوطة بين الحزب وإسرائيل.
وغداة تصعيد من الحزب تمثل في استخدام صواريخ «بركان» الثقيلة ضد ثكنات عسكرية إسرائيلية، ردت إسرائيل أمس بقتل 4 مسلحين فلسطينيين ينتمون إلى حركة حماس، بينهم نائب قائد كتائب القسّام في لبنان خليل خراز، كما قتلت 4 مدنيين لبنانيين بينهم صحافيان من قناة الميادين التلفزيونية المقربة من طهران ودمشق.
عمليات أمنية
واستهدفت سيارة المسلحين الفلسطينيين على طريق فرعي بين الشعيتية والقليلية في قضاء صور، على بعد نحو 12 كيلومترا من الحدود الجنوبية الغربية مع إسرائيل وخارج منطقة قواعد الاشتباك.
وأشار مراقبون الى أن اغتيال خراز يعني أن إسرائيل دخلت مرحلة جديدة تحمل مؤشرات الانتقال إلى ما يشبه العمليات الأمنية ضد كوادر «حماس» في لبنان، لاسيما أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا قد هددوا سابقاً باغتيال مسؤولي الحركة على الأراضي اللبنانية، وهو ما توعّد حزب الله بالردّ عليه.
استهداف مباشر للصحافيين
في المقابل، نعت «الميادين» «الشهيدين المراسلة فرح عمر، والمصور ربيع المعماري، نتيجة استهداف إسرائيلي غادر»، في قصف على مثلث طير حرفا - الجبين، جنوب لبنان.
وقال رئيس مجلس إدارة القناة، غسان بن جدو، إن ما تعرّض له الصحافيان «كان استهدافاً مباشراً ولم يكن استهدافاً بالمصادفة». وأشار إلى أن المدني الذي قتل مع الصحافيين هو أيضاً «متعاون» مع «الميادين»، من دون أن يحدّد وظيفته. واكتفى متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بالقول «ننظر في التفاصيل».
وهي ليست المرة الأولى التي يقتل ويصاب فيها صحافيون منذ السابع من أكتوبر، تاريخ الهجوم غير المسبوق لـ «حماس» على إسرائيل.
ففي 13 أكتوبر، قتل مصوّر وكالة أنباء رويترز عصام عبدالله، وأصيب آخرون من وكالة فرانس برس، وقناة الجزيرة، و«رويترز» خلال تغطيتهم قصفاً إسرائيلياً في جنوب لبنان. وفي 13 نوفمبر، أصيب المصوّر في قناة الجزيرة عصام مواسي بجروح طفيفة جراء قصف إسرائيلي خلال جولة لصحافيين في بلدة حدودية.
وفي وقت سابق، أفادت الوكالة الوطنية بمقتل امرأة مسنة تدعى لائقة سرحان (80 عاماً) وإصابة حفيدتها آلاء القاسم، (سورية)، بجروح في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة كفركلا.
وأعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي عن «إدانته الشديدة للاعتداء» على الصحافيين، معتبراً أنه «يثبت مجدداً أنه لا حدود للإجرام الإسرائيلي، وأن هدفه إسكات الإعلام الذي يفضح جرائمه واعتداءاته».
كذلك، دان حزب الله «الجريمة»، مؤكدا في بيان لعلاقاته الإعلامية أن «العدوان وما رافقه من استشهاد لمواطنين آخرين لن يمر من دون رد من مجاهدي المقاومة الإسلامية، الذين يسطرون في الميدان أروع ملاحم البطولة والفداء».
وكان حزب الله، الذي ارتفعت حصيلة قتلاه منذ بداية المواجهات الى أكثر من 70، أعلن امس استهداف موقعين عسكريين إسرائيليين ومنزلاً قال إن جنوداً إسرائيليين كانوا يتمركزون فيه.
مهمة هوكشتاين
ووصل هوكشتاين إلى إسرائيل أمس الأول لنقل خشية بلاده من اتساع نطاق الحرب الدائرة حاليا، وفق ما أكد البيت الأبيض. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي «لا نريد لهذه الحرب أن تتسع»، معتبرا أن فتح جبهة في شمال إسرائيل وجنوب لبنان «ليس في مصلحة أحد». وأشار الى أن هوكشتاين والإدارة الأميركية يقومان «بكل ما يمكن أن نقوم به للمساعدة في الحيلولة دون وقوع هذا السيناريو».
ضغط على نتنياهو
وأكد تقرير لـ «وول ستريت جورنال» نشر أمس الأول ما سبق أن أشارت إليه «الجريدة»، وهو تصاعد الضغوط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من الإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من الحدود الشمالية مع لبنان، والذين يريدون ضمانات بأن حزب الله يكرر في الشمال ما فعلته «حماس» بالجنوب في 7 أكتوبر.
وبحسب «وول ستريت»، كثف المسؤولون العسكريون الإسرائيليون الضغوط على نتنياهو لتوجيه ضربة حاسمة، وأصبحت هذه القضية نقطة خلاف في مجلس الوزراء الحربي، حيث دعا وزير الدفاع يوآف غالانت إلى القيام بعمل عسكري أوسع ضد حزب الله، وفي واشنطن، حيث مارست إدارة بايدن ضغوطًا مستمرة على إسرائيل، للامتناع عن اتخاذ خطوات استفزازية في لبنان يمكن أن تجر الجيش الأميركي إلى عمق أكبر في القتال.
وقد خضع نتنياهو حتى الآن للضغوط الأميركية، لكنّ المسؤولين العسكريين يقولون إن إسرائيل على بعد ضربة قاتلة واحدة من حزب الله لقيام حرب جديدة مع لبنان، ويقول مساعدون لنتنياهو إن الأخير يأمل أن يؤدي تحقيق انتصار واضح على «حماس» في غزة إلى دفع حزب الله إلى سحب قواته من الحدود مع إسرائيل.
وقال جدعون هراري، وهو ضابط عسكري متقاعد (66 عاماً) بقي في شعار ياشوف كعضو في المجلس المحلي للمجتمع: «أعتقد أننا أمام فرصة العمر للقيام بشيء جدي»، مضيفا «لن يعود الناس لأنهم خائفون، لذا عليك أن تفعل ذلك الآن».
وقال غالانت مؤخراً للجنود على الحدود: «أولئك الذين سيدفعون الثمن أولاً وقبل كل شيء هم المدنيون اللبنانيون»، مضيفًا «ما نقوم به في غزة يمكننا القيام به في بيروت».
100 ألف مقاتل و150 ألف صاروخ
ويقدر المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله لديه أكثر من 150 ألف صاروخ، بما في ذلك مئات الصواريخ القادرة على ضرب أهداف محددة، ويقدر المسؤولون أن الحزب يمكن أن يطلق 3 آلاف صاروخ يوميا، الأمر الذي من شأنه أن يضع ضغوطا هائلة على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي.
ويقدر مسؤولو الأمن في المجتمعات الحدودية أن 100 ألف جندي إسرائيلي قد انتشروا على الحدود، وهو رقم رفض الجيش الإسرائيلي مناقشته، وتم إرسال مدربين خاصين إلى القرى، لتحديث المهارات القتالية للجنود الاحتياطيين، بما في ذلك القتال بالأيدي.
وقال مظلي إسرائيلي (25 عاماً) من تل أبيب، بينما كانت وحدته تستقر بالقرب من أشجار الجريب فروت والبرتقال: «إن الحرب أمر لا مفر منه»، مضيفًا «إنها ليست إذا بل متى».
3 سيناريوهات
كان ليئور شيليف، أحد سكان الحدود الإسرائيلية، ينام في الملاجئ عندما كان طفلاً، ثم عندما أصبح بالغًا، في منتصف التسعينيات، خدم كجندي في جنوب لبنان.
ويريد شيليف أن يرى إسرائيل تقاتل حزب الله دون إرسال قوات برية، وقال وهو يمسك ببندقية: «لا أرى طريقة غير الحرب، لكن... لا أعتقد أن إسرائيل تريد العودة إلى سنوات الوحل اللبناني».
وقال شيليف انه من الواجب على الجيش الإسرائيلي، أو زعماء العالم، إقناع حزب الله بسحب جميع قواته من جنوب لبنان، كما يتطلب قرار الأمم المتحدة 1701 الذي أنهى حرب عام 2006.
كلام شيليف ليس بعيداً عن الأفكار التي يتم تداولها دباوماسيا على مستوى دولي. جزء من الأفكار المطروحة يتصل بتطبيق القرار 1701 تحت الفصل السابع، لكنها صيغة ساقطة سلفاً، وحزب الله يعتبرها إعلان حرب، فالحزب الذي لم يتراجع الى شمال الليطاني بعد حرب مدمرة في 2006 لن يقبل بذلك في عام 2023 حتى من دون حرب.
ومن بين الأفكار الاخرى تعزيز حضور الجيش اللبناني في الجنوب، وزيادة عديده هناك ومضاعفته عن العدد الذي انتشر عام 2006. لكن ذلك يبقى بلا أي فعالية من دون الوصول إلى اتفاق شامل وبرعاية دولية، يضمن إعادة تكريس استقرار في جنوب لبنان، كما حصل بعد حرب 2006، علماً بأن الطموحات الأميركية تبدو أوسع من ذلك عبر التركيز على «ترسيم الحدود البرية» بعد الترسيم البحري، وهو ما تعتبر واشنطن أنه سيسهم في وقف العمليات العسكرية عبر صفقة كبيرة.