ونحن على أبواب معرض الكتاب العربي في دورته الجديدة، بعد انقطاع قسري دام سنتين فرضته جائحة كورونا «الملعونة»، يتجدد الحديث عن الرقابة، فقد أعاد المغردون لوحات فنية رسمها الزميل عبدالوهاب العوضي، منها صورة رقيب وهو جالس على أسطوانة تشبه الصندوق المحشو بكومة من الكتب الممنوعة، مسترخياً ومنشكحاً على الآخر، ورسمة أخرى حديثة تبين أن مقص الرقيب ينتظر قدوم معرض الكتاب ليمارس دوره.

الحقيقة أنه لم يعرف بعد، وحتى كتابة هذا المقال، هل هناك كتب تمت مصادرتها، وما عناوينها؟ علما أن هناك قراراً من وزارة الإعلام بأن تكون الرقابة على الكتب رقابة لاحقة، كما الشأن مع الصحف والمطبوعات، وإن كنت أتمنى أن يكون الالتزام سارياً بهذا القرار، ويقام المعرض دون أن تصاحبه الضجة المعتادة، خصوصاً أن «العم غوغل» وصحبه أنهى أسطورة الرقابة بكل أشكالها، إضافة إلى أن المعارض التي تقام في مدن مثل الشارقة والدوحة والرياض لم نسمع عنها شيئا فيما يخص الكتب الممنوعة.

الرأي العقلاني يتفق مع الدعوات والمطالبات السابقة التي تطالب بالسماح بتوزيع الكتب التي يتم إدراجها من الناشرين والمجلس الوطني للثقافة، وترك قرار المصادرة بيد القضاء، أي أن يتم التعامل بمسطرة الرقابة اللاحقة نفسها التي تسري على الصحف والمطبوعات الدورية.
Ad


رقابة أهل البيت كما أسميها أصعب بكثير من رقابة السلطة السياسية، ولا يخلو يوم إلا ونتلقى فيه العديد من مقالات الرأي التي يحرص أصحابها على توزيعها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي بدورها تحظى بانتشار غير عادي وغير متوقع لمجرد القول إن هذا المقال منع من النشر، فهو جواز المرور لأي كلمة كي تبلغ أرقاما فلكية من الصعب مجاراتها عبر الصحف الورقية... وباختصار أصبح المنع غير مجد بفضل «السوشال ميديا».

والمسألة ليست وقفاً على الكويت بل نجدها في عموم الوطن العربي، فالزميل رجا طالب وهو من الصحافيين والكتاب الأردنيين المعروفين، الذين عملوا في الصحافة الكويتية، صودر حقه في التعبير عن رأي كتبه، مما اضطره إلى اللجوء إلى «الإعلام الرقمي المفتوح» وهذه ظاهرة تعكس «حالة الانسداد» في الرأي الآخر.

الواقع أنني أصدرت كتاباً منذ فترة بعنوان «ممنوع من النشر» ما زال حتى اليوم يلقى صدى واسعاً من القراء، فقد تضمن وقائع وأحداثاً عن تاريخ الرقابة في الكويت بالدرجة الأولى، ولبنان والعالم العربي ثانياً، ومما هو مسموح به، والحقيقة تقال إن كتابي تم فسحه من وزارة الإعلام، وكان محل تقدير عال وثقة كبيرة لدى أصحاب القرار.

وفي تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود» صدر العام الماضي، كشفت عن وجود 12 دولة في الشرق الأوسط في المنطقتين الحمراء والسوداء، حيث يعتبر وضع الصحافة صعباً وخطيراً للغاية، وأن هذه المنطقة لا تزال تقبع في الجزء المظلم من خريطة التصنيف العالمي، وفي شمال إفريقيا تشهد الصحافة تراجعاً مخيفاً وفقاً لمؤشر «حرية الصحافة العالمي» في عام 2022 باعتبار أن هذه الدول يعاني فيها الصحافيون «أوضاعاً سيئة جداً».

تاريخ الرقابة على الكلمة مليء بالوقائع والروايات، فحرية التعبير عن الرأي ارتبطت في أحد وجوهها بالرقيب، الذي يقوم بدور الحارس على أفكار الناس نيابة عن المجتمع والمصالح والسلطة.