أثمرت الجهود الدبلوماسية الرامية لكبح جماح الحرب الوحشية التي تشنّها إسرائيل على غزة منذ 47 يوما، عن اتفاق بين الدولة العبرية و»حماس» يتضمن هدنة وتبادلاً المحتجزين، وهو ما من شأنه أن يمنح سكان القطاع الفلسطيني، المحاصر بشكل شبه كامل، فرصة لالتقاط الأنفاس وتلقّي دفعات أكبر من المساعدات الإنسانية والإغاثية وتفادي حدوث كارثة إنسانية.
وأفادت قطر، صباح أمس، بنجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة في التوصل إلى الاتفاق الذي تضمّن هدنة تمتد لـ 4 أيام.
وفي حين ذكرت وزارة الخارجية القطرية أن الإعلان عن توقيت بدء الهدنة القابلة للتمديد سيتم خلال 24 ساعة، ذكرت تقارير مصرية أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في العاشرة من صباح اليوم بتوقيت غزة.
وتشمل الصفقة سماح إسرائيل لنحو 300 شاحنة مساعدات بدخول غزة من معبر رفح المصري يومياً، ودخول المزيد من الوقود إلى غزة خلال فترة الهدنة التي تعد الأولى منذ بدء الحرب عقب هجوم «حماس» في 7 أكتوبر الماضي، الذي تسبب في مقتل 1200 إسرائيلي وأسر 240، بينهم العديد من مزدوجي الجنسية والأجانب.
وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، بأن 3 أميركيين من بينهم طفلة ستبلغ 4 سنوات قريباً، من المرجح أن يكونوا ضمن أول المُفرج عنهم، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تتوقع إطلاق سراح أكثر من 50 محتجزاً في المرحلة الأولى.
زناد وتعقيدات
في غضون ذلك، أكدت «حماس» أنها توصلت إلى الاتفاق بعد مفاوضات وصفتها بأنها «صعبة ومعقّدة».
وأضافت أن الهدنة تشمل وقف إطلاق النار من الطرفين، ووقف كل الأعمال العسكرية للجيش الإسرائيلي في جميع مناطق غزة، ووقف حركة آلياته العسكرية بالقطاع.
وقالت إنها تنص على إطلاق سراح 50 من المحتجزين الإسرائيليين من النساء والأطفال دون 19 عاما، مقابل الإفراج عن 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين دون 19 عاما من السجون الإسرائيلية.
كما ستدخل بموجب الهدنة مئات شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود لكل مناطق غزة بلا استثناء.
وتابعت أنه تم الاتفاق على وقف حركة الطيران في جنوب غزة على مدار هدنة الأيام الأربعة ووقف حركة الطيران في شمال القطاع 6 ساعات يوميا من العاشرة صباحا حتى الرابعة مساء.
وقال البيان إن إسرائيل تلتزم خلال فترة الهدنة بعدم التعرّض لأحد أو اعتقال أحد في كل مناطق القطاع، وضمان حرية حركة المواطنين من شمال غزة إلى جنوبها على طول شارع صلاح الدين. وأضاف البيان: «في الوقت الذي نعلن فيه التوصل إلى اتفاق الهدنة مع إسرائيل، فإننا نؤكد أن «أيدينا ستبقى على الزناد».
وباتت الحركة المسيطرة على القطاع منذ عام 2007 أمام اختبار كبير لإتمام الصفقة، حيث سيتحتم عليها إطلاق سراح 50 شخصاً دون الكشف عن أماكن بقية المحتجزين لديها، البالغ عددهم 240، بينهم عسكريون يمثّلون «ورقة رابحة» بأي مفاوضات مستقبلية.
وتبدو مهمة «حماس» أكثر تعقيداً في ظل محاصرة عدد من المناطق في القطاع بالدبابات الإسرائيلية خاصة بشمال القطاع، فاكتشاف مكان محتجز واحد ربما يؤدي إلى كشف الآلية التي تعمل بها الحركة في إخفاء المحتجزين، مما قد يجعلها تفقد أبرز ورقة لديها في الصراع.
في السياق، أكدت حركة الجهاد الإسلامي أنها لن تحرر أي محتجزين إسرائيليين غير مدنيين، إلا بعد الإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين بسجون إسرائيل.
إقرار وانتقادات
على الجهة المقابلة، ذكر بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته «أقرّت الخطوط العريضة للمرحلة الأولى من تحقيق هدف إعادة جميع المحتجزين إلى الديار، وفي هذا الإطار يتم الإفراج عن 50 امرأة وطفلا على مدار 4 أيام يتوقف خلالها القتال».
وأكد البيان أنه مقابل كل 10 محتجزين إضافيين يجري إطلاق سراحهم، سيتم تمديد الهدنة ليوم آخر، وذلك دون الإشارة إلى إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في المقابل. وشدد على ان الحرب لن تنتهي قبل تحقيق اهداف اسرائيل وستستأنف بعد انتهاء الهدنة.
وانتقد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتشدد، إيتمار بن غفير، الصفقة، واصفاً إياها بـ «الخطوة الخطيرة وغير المنطقية والخطأ التاريخي»، ومؤكدا أن «حماس» هي المستفيد منها.
وقال بن غفير: «أرادت حماس التخلص من النساء والأطفال في المقام الأول، لأنهم تسببوا في ضغوط دولية عليها، وأرادت الحصول على الوقود، وإطلاق سراح الإرهابيين، ووقف عمليات الجيش الإسرائيلي، وحتى حظر الطلعات الجوية. وكل هذا حصلت عليه».
وأشار إلى أن الصفقة ستغيِّر المعادلة، وقد تؤدي إلى مزيد من الأحداث وتكرار أخطاء الماضي، معتبرا أن زعيم الحركة الفلسطينية بغزة يحيى السنوار يواصل خطته «وبدلاً من تركيع حماس، تقبل إسرائيل إملاءاته».
في غضون ذلك، نفى المتحدث باسم الحكومة، عوفير غندلمان،
تعرّض الحكومة لضغوط داخلية من اهالي الرهائن من أجل قبول شروط الصفقة التي سبق أن عارضتها، مؤكداً أن الهدنة لن توقف الحرب، بل هي مستمرة حتى القضاء على «حماس».
أسماء ومنع
في هذه الأثناء، نشرت السلطات الإسرائيلية تفاصيل بشأن معتقلين فلسطينيين من المقرر إطلاق سراحهم بموجب الصفقة، وهو إجراء يبدو أن الهدف منه هو السماح ببحث أي عوائق قانونية قد ترِد في اللحظات الأخيرة.
ويبدو أن القائمة التي نشرتها وزارة العدل تشمل 300 سجين، أي مثلَي العدد الذي يبلغ 150 من النساء والقصّر الذين وافقت إسرائيل على إطلاق سراحهم مقابل 50 رهينة ضمن اتفاق يشمل هدنة مبدئية للحرب مدتها 4 أيام قد تقود إلى إطلاق سراح المزيد من الجانبين.
من جهة ثانية، لفت مصدر فلسطيني مطّلع إلى أن الاتفاق الجزئي لم يتضمن السماح لسكان القطاع الذين نزحوا من شماله إلى جنوبه، ويقدّر عددهم بنحو 1.5 مليون نسمة، بالعودة إلى مناطقهم.
ترحيب واسع
ومع منح الإعلان عن الاتفاق بارقة أمل بإمكانية احتواء الحرب والاضطرابات التي تشهدها الضفة الغربية المحتلة، والتي تهدد باندلاع نزاع إقليمي أوسع في حال دفع سكانها من الفلسطينيين إلى النزوح باتجاه مصر والأردن، توالت ردود دولية مرحّبة بالخطوة.
فقد رحّب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، باتفاق الهدنة قبيل استقباله العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في القاهرة لبحث الأزمة وتطوراتها، والعمل على وقف العدوان الإسرائيلي.
وأكد السيسي عبر «فيسبوك»: «استمرار الجهود المصرية المبذولة من أجل الوصول إلى حلول نهائية ومستدامة، تحقق العدالة وتفرض السلام وتضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة».
وعبّرت «الخارجية» الأردنية عن أملها في أن تكون الهدنة الإنسانية في غزة خطوة نحو إنهاء الحرب ووقف استهداف الفلسطينيين وتهجيرهم قسريا.
وقالت إنها تأمل بأن يسهم الاتفاق «في تأمين وصول المساعدات الإنسانية الكافية لجميع مناطق القطاع، وبما يلبّي جميع الاحتياجات، وبما يحقق الاستقرار ويضمن بقاء أهالي غزة في أماكن سكنهم».
وبينما رحبت وزارة الخارجية التركية بـ «تطور جيد لوقف إراقة الدماء»، نقلت أوساط تركية عن الرئيس رجب طيب أردوغان القول إنه قد يسافر إلى مصر قريباً للتنسيق ومناقشة كيفية تسريع إجلاء المرضى من غزة، وخطوات أخرى للضغط على إسرائيل، محذّراً من أن «سقوط القطاع يعني إصابة وحدة العالم الإسلامي بجرح عميق»، ومضيفا أنه «مستعد للمشاركة في أي هيكل أمني جديد بالقطاع».
وفي لندن، رأى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي وصل على رأس الوفد المشكّل من القمة العربية - الإسلامية الاستثنائية إلى العاصمة البريطانية، ثالث محطة ضمن جولته التي استهلها من بكين السبت الماضي، أن «وقف إطلاق النار خطوة في الاتجاه الصحيح، وهناك حاجة إلى وقف كامل للأعمال القتالية».
وقال بن فرحان إنه «يتعيّن ألا يتم استخدام المساعدات الإنسانية لغزة وسيلة للعقاب الجماعي».
وأعربت الإمارات عن أملها في أن يحقق الاتفاق وقفا دائما لإطلاق النار، مشددة على ضرورة العودة إلى المفاوضات لتحقيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ورحّب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالاتفاق الإنساني الذي تم التوصل إليه، داعياً إلى حلول أوسع للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني المستمر منذ فترة طويلة.
وفي موسكو، أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أن «الكرملين» يقيّم بشكل إيجابي الاتفاق، وهذه هي الأخبار الجيدة الأولى من غزة، منذ فترة طويلة.
مواقف غربية
ورحبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بالاتفاق.
وعبّر الرئيس الأميركي جو بايدن، في منشور على «إكس»، عن ترحيبه به، قائلا: «أنا سعيد لأن هذه الأرواح الشجاعة، التي عانت محنة لا توصف، سيتم لمّ شملها مع عائلاتها فور تنفيذ هذه الصفقة بالكامل».
وتوجّه بايدن بالشكر لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، والرئيس السيسي «على مساهمتهما الحاسمة في التوصل إلى هذا الاتفاق».
من جهتها، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، عن «ترحيبها الحار» بالاتفاق، مشيرة إلى أن «المفوضية ستبذل قصارى جهدها لاستغلال هذا التوقف من أجل زيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة».
وكشفت تقارير أميركية أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سيتوجه إلى إسرائيل، الأحد المقبل، في رحلة هي الرابعة منذ اندلاع الحرب، لإجراء محادثات مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين بشأن الخطوات المقبلة، فيما لفتت صحيفة بوليتيكو الأميركية، إلى أن إدارة بايدن قلقة من احتمال وصول الكثير من الصحافيين إلى غزة عقب الهدنة الإنسانية، مما سيسهم في الكشف عن المزيد من الوحشية الإسرائيلية المرتكبة هناك.
كما وصف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، الاتفاق بـ «الخطوة الحاسمة».
في السياق ذاته، قالت وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إن باريس تأمل أن يتم إطلاق سراح 8 من مواطنيها يعتقد أنهم محتجزون لدى «حماس» ضمن الاتفاق.
وأطلقت «حماس»، حتى الآن، سراح 4 محتجزين فقط، هم أميركيتان وإسرائيليتان من كبار السنّ، لأسباب إنسانية.
قتال متجدد
وقبل ساعات من بدء الهدنة، جددت إسرائيل غاراتها على عدة مناطق في شمال القطاع أمس، فيما تعرّضت بلدات سديروت ومستوطنات غلاف غزة لقصف صاروخي فلسطيني.
كما دارت اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش الإسرائيلي وعناصر حركتَي حماس والجهاد بمحيط مخيم جباليا شمال القطاع.
وجددت سلطات الاحتلال دعوتها لسكان حي الزيتون بمغادرة مساكنهم باتجاه جنوب وادي غزة «حفاظا على سلامتهم»، فيما تحدثت تقارير عن نقل مئات الجرحى من الجيش الإسرائيلي إلى عدة مستشفيات من جراء احتدام المعارك مع كتيبتين لـ «حماس» بجباليا وجنوب مدينة غزة مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه.
وهدد الجيش الإسرائيلي باقتحام المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا، بدعوى احتوائه على «نشاطات عسكرية»، فيما نقلت قافلة إسعاف بإشراف دولي مرضى وجرحى من مستشفى الشفاء بوسط غزة إلى مستشفيات بجنوب القطاع أمس.
وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن 14 ألفا و128 فلسطينيا قتلوا في القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ اندلاع الحرب. وبين القتلى الذين تم إحصاؤهم إلى الآن 5840 طفلا و3920 امرأة، كذلك أسفر القصف عن إصابة 33 ألف شخص.