بقايا خيال: لماذا تفشل جمعيات النفع العام الكويتية؟
محاولة إنشاء جمعية نفع عام تبدأ بفكرة للم شمل أصحاب مهنة كالمعلمين أو الأطباء أو المحامين أو الصيادلة أو غيرها من المهن لتحقيق أهداف معينة وخدمة مصالح أعضائها، ولهذا فهي في البداية تبرز كفكرة صغيرة تنمو في أذهان مؤسسيها لتصبح كياناً ذا جدوى اقتصادية أو مهنية، ولكن ما إن ينتهي المؤسسون من مراحل التأسيس والإنشاء ومحاولة البدء بتنفيذ التفاصيل حتى تنكشف العراقيل والعقبات، ليقتنعوا بعدها أنه لا سبيل لتحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي أسس من أجلها هذ الكيان الاجتماعي، إلا بالانطواء داخل جدران الجمعية أو الرابطة كالمتقاعدين.
هذه الظروف وهذا السياريو الذي يتكرر مع كثير من الجمعيات ذات النفع العام التي أسست بعد التحرير هي تماماً كالسيناريو والظروف التي يمر بها الكاتب الذي تطرأ على ذهنه فكرة مقالة يعتقد أنه سيفجر قنبلة الموسم من وراء هذه المقالة، ولكن ما إن يبدأ بكتابة أول جملة وأول فكرة حتى يجمد قطار الأفكار عند أول محطة.
يبدو أن غالبية الكويتيين لم يعتادوا على العمل التطوعي رغم أن كل جمعيات النفع العام هي جمعيات مهنية أنشئت لدعم المهن التي يمارسها مؤسسوها وأعضاؤها، ولهذا «يفرمل» المؤسسون أو الجيل التالي من مسؤولي هذه الجمعيات عند أول منعطف حاد، فيتكاسلون عن مواصلة العطاء، والحكومة لها دور في تكاسل الأعضاء في تقديم المبادرات، فالحكومة هي التي تمنح الأرض التي تبنى عليها أبنية هذه الجمعية أو تلك بدون مقابل ودون رسوم أو ضرائب، بل على العكس من ذلك، هي التي تقدم الدعم المادي لتيسير أمور التأسيس ومواصلة العمل المدني، وهي التي تشرف على حسن أداء الأعضاء لأعمالهم التطوعية حسب اشتراطات الحكومة.
وحتى لا يُحْرَج الأعضاء المؤسسون في المجتمع بسبب قلة نشاطاتهم المهنية وعجزهم عن إعمال فكرهم لتقديم مبادرات مهنية مبتكرة تثبت وجودهم على الساحة المدنية والمهنية، تجدهم يبتدعون نشر أخبار باهتة عن استقبالاتهم واجتماعاتهم ومشاركاتهم في مؤتمرات وندوات، وهي أعمال وجاهية لا تقدم ولا تؤخر، ونشاطات لا تغني ولا تسمن من جوع.
من جانب آخر صار طغيان النشاطات السياسية لجمعيات النفع العام الكويتية على النشاطات المهنية التي تفيد كل أعضائها، أمراً متعارفاً عليه للتأكيد للمراقبين على اهتمام مكونات المجتمع المدني بالشأن العام مثل قضية فلسطين أو الثورات العربية أو الدور الأميركي في الشرق الأوسط أو الكوارث الطبيعية أو غيرها، وإن مجرد إهمال القضايا المهنية من جمعيات النفع العام من أجل عيون القضايا العامة تسبب في تراجع الأداء في كثير من مناحي الحياة السياسية والتعليمية والصحية والثقافية والاقتصادية وغيرها.
قبل سنوات أخبرني أحد رؤساء جمعية المحامين الكويتية السابقين أنه صادف أن تعقد اجتماعات اتحاد المحامين العرب في الفترة نفسها والمكان ذاته اللذين عقد فيهما الاتحاد الدولي للمحامين اجتماعاته الدورية، وكان ذلك في المغرب، حيث يقول هذا الرئيس إن جدول أعمال اجتماعات اتحاد المحامين العرب كان يتضمن محاور سياسية بحتة لا علاقة لها بالمحامين بشكل مباشر، في الوقت الذي كانت اجتماعات الاتحاد الدولي للمحامين تركز على أمور مهنية بحتة، مثل مواصفات مديرة مكتب المحامي، وكيفية ترتيب الملفات القانونية وأساليب استقبال العملاء، وغيرها من أمور قانونية تسهم في تطوير أداء مكاتب الاستشارات القانونية بعيداً عن السياسة وعن الشأن العام.