تفكيك البنية الشيطانية... كيف؟
انظر إلى مقالنا السابق واقرأ مقترحاتنا لرفع مستوى الرواتب وحل القضية الإسكانية وتحقيق الوفر المالي الذي يقضي على العجز... إلخ، وقارن بدقة وتفصيل بين ما كتبنا من مقترحات كحل شامل ومتكامل لكل المشاكل المترابطة وبين حل الحكومة المقتصر فقط على جدول تعديل رواتب بعض المتقاعدين، الذي يستوجب وينشَرِط برفع السن التقاعدية وزيادة قسط التأمين والتلويح بفرض الضرائب دون حل القضية الإسكانية التي رمتها الحكومة على الآباء، فاستهلكت مدخراتهم ورواتبهم، وأجبرتهم على القروض لبناء أدوار لأولادهم، للعلم فقط مقترحنا لراتب المتزوج ويعول ثلاثة أبناء هو 1895 ديناراً أما جدول الحكومة فهو 1335 ديناراً.
نعم ستصل الى أن جدول الحكومة للرواتب المقترح هو عنوان اللا منطق والعشوائية والتضليل الذي يحكم عقلية صناعة القرار في السلطتين، وعنوان على سذاجة الذهنية العامة وقابليتها للتضليل وابتلاع الوهم،
ويأتي ذلك في ظل تسيُّد المعادلة الحالية القائمة على عناصر الصرف المالي الحكومي العبثي الذي من نتائجه العجز في السيولة، والمرشح أن يتزايد، فتبرز مشكلة البطالة السافرة وتتنامى العجوزات التي تفرض زيادة الرسوم، وفرض الضرائب، ووقف الدعوم، وزيادة سن التقاعد، مع رفع قسط التأمين، وتأخر تنفيذ المشاريع الإسكانية وعدم إنشاء مرافق الدولة الصحية والتعليمية وصيانتها، وتهالك البنية التحتية وعلى رأسها شبكات الطرق.
إنه سيناريو حتمي الحدوث في ظل تحجر الأوضاع وفي ظل حاكمية قواعد التفكير لدى صانعي القرار وكأنها قدَر حتمي لا يمكن تغييره، هذا في ظل غيبوبة تستوعب السلطتين التشريعية والتنفيذية بحيث تجد أعضاءها مُسْتَلبين إما لمتطلبات لعبة صراعية لمصلحة أطراف منخرطة في عملية تصفية حسابات ضارية أو تقديم النواب والمسؤولين المصلحة العامة كضحية على مذبح المصالح الشخصية المتمثلة بالكرسي النيابي أو المنصب.
دأبنا منذ سنتين على وضع مقترحات ومشاريع أودعنا فيها عصارة اجتهادنا وخبرتنا كي نفكك منظومة الشلل والتراجع، ونفتح آفاقاً غير مُفَكَّر فيها بحيث تخرجنا إلى فضاءات التطور والرقي كما حصل في بعض دول الخليج العربي التي تجاوزت برشاقة واقع التخلف والفساد لتتحول الى أيقونات فارهة للتقدم والرقي على مستوى العالم مثل دبي والمملكة العربية السعودية وقطر.
اجتهاداتنا وما كتبناه كان كأنه رطانة غير مفهومة أو كنا كمن يؤذن في خرائب ومقابر... نعم كنا نكتب ونخاطب جهات سياسية هامدة نخرها زمن الجمود والارتداد في حين نرى في الوقت نفسه مجتمعات نهضت من الأجداث لتنتفض حية مسرعة للبناء والتحضر وتختصر السنوات بالأسابيع (بوليفارد الرياض في عشرة شهور، جامعة نورة 25 شهراً) فاستوعبت الخبرات العالمية، وانفتحت على التطور العالمي، فزحفت لها رؤوس الأموال وأعظم الشركات، فانشقت أراضيها عن أعظم المشروعات الصناعية والزراعية ومشاريع الطاقة المتجددة وأسواق التجارة والموانئ، ويغمر التطور مؤسساتها العلمية والصحية، وتتراجع كل مؤشرات حوادث المرور والجرائم، وتحولت إلى مراكز جذب سياحية لمختلف دول العالم ومجتمعاته، فترى قروبات أوروبية وصينية تملأ الفنادق والمنتجعات والأسواق وأماكن الترفيه. ونحن سادرون في ضلالنا القديم! والمأساة أننا نغرق في أُلْهِية ومسرحية عنوانها وموضوعها ديموقراطية جوفاء هي جزء من عبثيتنا وتشوهنا الحضاري، فقد تسربلت بكل عقدنا الطائفية والقبلية والمناطقية والانتهازية والشخصانية، وامتزجت بكل عناصر عجزنا وجنوننا.
وكلنا، الممثلين والجمهور وكاتب النص، نعيش في غيبوبة التصديق بأنها ليست مسرحية بل هي واقع حقيقي!!! فما أتعسها من ملهاة بل أُلهية!!! إنها بُنية شيطانية تفضحها كوكبة من النواب الصالحين الذين لولاهم لأصبحنا في بطن هذه المأساة الى أبد الآبدين، فإلى الله المُشتكى.