كتب الصديق العزيز على قلبي د. سعد بن طفلة وزير الإعلام الأسبق مقالاً في صحيفة «الإندبندنت» بعنوان «كويتيون في غزة: دُكّوا على عشاكم!»، وبما أني كثيراً ما دكيت على عشاء أخي أبي عبدالله فإنني اعتبرت دعوته هذه مميزة لأن وجبتها فكرية وعقلية تجعل المتذوق يتلذذ بما فيها من أصناف صحية وغذائية للعقل والفكر، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون مضرة.
لقد قسم العزيز أبو عبدالله الكويتيين إلى فريقين: حمساوي، وغزاوي، وجمعهم على مائدة واحدة، وهي نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وما إن انتهى من الفريقين حتى طلب من كل فريق الجلوس لوحده، فالغزاويون لوحدهم والحمساويون لوحدهم، فاستغرب الفريقان هذا الترتيب ليسأل أحدهم عن السبب فرد الدكتور لأني لا أريد لكم الفرقة ولا التناحر فيما بينكم، فالكويت تجمعنا وقضية فلسطين تجمعنا لكني رأيتكم مختلفين حولها فمنكم من يرفض انتقاد «حماس» وما قامت به، ومنكم من يعدها سبباً فيما حصل بعد عملية «طوفان الأقصى» من مجازر ارتكبتها الحكومة الصهيونية المحتلة.
برأيي أن الفريقين متفقان حول عدالة القضية الفلسطينية، وما يفرق بينهما هو العاطفة، فمن يشاهد المجازرالصهيونية بشكل وحشي وإرهابي لا شك أن عاطفته تطغى على تعبيره وتفكيره، ويغيب عنه حال الشعب الفلسطيني المنكوب منذ أكثر من 70 عاماً، وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من عمليات وحشية واستيطان وعدم اكتراثها للقانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، أما الآخر فيعلم تمام العلم أن المقاومة حق مشروع، وأن ردع المحتل وكشف جرائمه لن تكون بلا تضحيات ومقاومة.
وهنا أود الحديث عن فريق ثالث لمح له الدكتور لكنه لم يدعُه، وهو فريق كاره لحماس استغل أحداث غزة ليصب جام غضبه عليها دون أن يعلم أنه بهذا الفعل الشنيع أصبح رصاصة تقتل أطفال غزة وصاروخاً يهدم منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم.
قد نختلف مع «حماس» وجماعة الإخوان المسلمين في أيديولوجيتهم وأفكارهم ولكن لا يمكن لعاقل أن يختلف معهم في مقاومتهم للمحتل المغتصب لوطنهم وجرائمه التي يندى لها جبين الإنسانية والقانون الدولي، ولقد شاهدنا بعد السابع من أكتوبر كيف انتفضت شعوب العالم بمن فيهم اليهود وشعوب الحكومات الداعمة للاحتلال ضد الاحتلال ووحشيته، وتصدرت قضيتهم أخبار العالم أجمع بعد أن طواها النسيان.
لا شك أن هناك من أخذته العاطفة والشعور بالخذلان فهاجم دولاً عربية دون إدراك لعلاقات الكويت بها وهو أمر لا نتفق معه، ولكن ثم من استغل هذا الهجوم ليزيد إشعال الفتن بيننا وبين أشقائنا وهو أمر أخطر وأشنع ممن هاجم بعاطفته ودون إدراك، وحتى لا نفقد لذة المفاطيح والعشاء الفاخر علينا أن نركز على ما نتفق عليه، وهو حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وفي استعادة كامل سيادته على أراضيه، وعلينا أن ندعمه كل حسب إمكاناته ودون أن نهاجم الآخرين، فالخذلان ليس بجديد علينا. ونحن- الكويتيين- عانينا منه ونعرف مرارته وألمه لذلك فإن ما ذكره العزيز د.سعد بن طفلة هو واقع مؤلم ومؤسف أن نختلف حول رتوش القضية التي نؤمن بعدالتها ونتطرق لهوامشها بدلاً من موضوعيتها ونخلق مشكلة فرعية من المشكلة الأصلية وهو أمر أصبح عادةً عربية بسبب جهلنا في معالجة مشاكلنا.
يعني بالعربي المشرمح:
بعد أن «دكينا» على مفاطيح بن طفلة الغنية بكل أنواع الفيتامينات المغذية للفكر والعقل علينا أن ندك جميعاً على عدالة القضية الفلسطينية ودعمها ودعم حقها المشروع في المقاومة وردع المحتل وعلينا فضح جرائم إسرائيل الوحشية ضد الشعب الفلسطيني الذي شاهده العالم أجمع، وانتفضت الشعوب الحرة ضده ولنصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وأكرم الله «بوعبدالله» على هذه الوجبة الجميلة التي أشبعت عقولنا وأفكارنا وهي عادة لا نستغربها من شخصية بحجمك، ولا نستغني عن مزيد من ولائمك لندكّ عليها.