من القواعد الثابتة في الحروب، أن الساعات التي تسبق الهدن أو وقف إطلاق النار، تكون الأقصى والأعنف، وهو ما حاولت إسرائيل فعله في جنوب لبنان من خلال تكثيف عمليات قصفها واستهداف لتحقيق أهداف مباشرة وإلحاق خسائر بشرية، من خلال الغارة التي استهدفت، مساء أمس الأول، مجموعة من كوادر حزب الله العسكريين في بيت ياحون على عمق 10 كيلومترات، أي خارج قواعد الاشتباك، مما أدى إلى سقوط 5 قتلى بينهم نجل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة التابعة للحزب محمد رعد، وردّ حزب الله بإطلاق نحو 50 صاروخاً على قاعدة عسكرية إسرائيلية، وشن هجمات على مواقع ونقاط عسكرية إسرائيلية أخرى، وبذلك، يفترض أن يكون التصعيد العسكري قد وصل إلى قمته، ولا بد من بدء مساره التراجعي، خصوصاً على وقع الهدنة وربما ما بعدها.

كوادر «الرضوان»

Ad

والخمسة الذين قتلوا في الضربة الإسرائيلية التي تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، الى بيروت، هم من مسؤولي فرقة الرضوان (قوة النخبة لدى حزب الله)، وبينهم مسؤول العمليات في الفرقة وأحد مسؤوليها الميدانيين على الخطوط الأمامية.

في المقابل، أعلن الحزب، أمس، استهداف قاعدة ‌‏عين زيتيم العسكرية الإسرائيلية، مقر لواء المشاة الثالث التابع للفرقة 91 في الجيش الإسرائيلي بـ 48 صاروخ ‌‏كاتيوشا. وكان الحزب أعلن في بيانات سابقة استهداف تجمعات مشاة للجنود الإسرائيليين وتحقيق إصابات مباشرة فيها، وردت المدفعية الإسرائيلية بقصف عدة مناطق حدودية. كما نعى الحزب 3 مقاتلين آخرين قتلوا في مواجهات، ليتجاوز عدد قتلى الحزب الـ 90 قتيلاً منذ بدء الحرب.

وسقطت 3 صواريخ في بلدة عين ابل اللبنانية، وأصاب أحدها أحد المنازل. وأكد سكان أن الصواريخ أطلقت من ناحية بلدة الطيري اللبنانية التي يوجد فيها حزب الله وليس من ناحية إسرائيل، مشيرين إلى احتمال أن تكون قد سقطت عن طريق الخطأ. في المقابل، أفادت مصادر أمنية لبنانية بأن بعض صواريخ حزب الله سقطت في قرى لبنانية نتيجة تصدي القبة الحديدية الدفاعية الإسرائيلية لها.

رعد

وكان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب ​محمد رعد​، قال أثناء استقبال جثمان نجله عباس، إلى أنه «قَصد، فوَصل، وإذا كنتُ أعتب فلأنّه سَبَقني وكان أشطر وأسرع منّي، وليتقبّل الله أعماله وشهادته».

وأضاف: «مبارك للشّهيد سراج، ومبارك لسيّد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيّد ​حسن نصرالله​، الّذي علّمنا كيف يكون آباء الشّهداء، صابرين، محتسبين، أقوياء، وثابتين على هذا النّهج الجهادي المقاوم».

وشيع نجل رعد في بلدته جباع في إقليم التّفاح، فيما تلقى النائب رعد اتصالات للتعزية من شخصيات لبنانية سياسية دينية.

عمليات أمنية

وبحسب التقديرات، فإن العملية الإسرائيلية تأتي في إطار رغبة الإسرائيليين بالتصعيد والاستفزاز لاستدراج الجميع إلى حرب، لكن في المقابل يبدو أن إيران وحزب الله لا يريدانها، كما أن الأميركيين يفعّلون كل آليات الكبح لمنع التدهور. قد يكون الإخراج لهذا «المأزق» هو استمرار العمليات الإسرائيلية، على طريق عمليات أمنية أو اغتيالات تبقي إسرائيل في حالة حرب، كمثل عملية بيت ياحون، أو قبلها عملية اغتيال نائب قائد «كتائب القسام» في لبنان.

عبداللهيان ونصرالله

جاءت هذه التطورات فيما استقبل الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، أمس، وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان. وأعرب نصرالله عن «استعداد المقاومة على جميع الجبهات»، وفقاً لبيان صدر عن «الخارجية» الإيرانية. وأوضحت العلاقات الإعلاميّة في «حزب الله» في بيان، أنّه «جرى ‏استعراض آخر التّطوّرات في ​فلسطين​ و​لبنان​ والمنطقة، والاحتمالات القائمة حول مسار الأحداث، والجهود المبذولة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على ​قطاع غزة​، والمسؤوليات الملقاة على عاتق ‏الجميع في هذه المرحلة التاريخية والمصيرية لفلسطين وقضيتها المقدسة وكل المنطقة».

وكانت «الجريدة» قد نقلت عن مصادر في «الخارجية» الإيرانية ان عبداللهيان حمل رسالة الى الفصائل اللبنانية والفلسطينية الموجودة في لبنان والموالية لإيران، بضرورة الالتزام بالتهدئة في غزة، بعد أن مورست ضغوط على إيران من قبل الصين ودول إسلامية وعربية لمنح فرصة للمفاوضات الجارية من أجل تمديد هدنة غزة، وسبل الوصول إلى شروط تسمح بتحويلها الى وقف دائم لإطلاق النار.

وأكدت المعلومات أن عبداللهيان شدد خلال لقاءاته مع فصائل «محور المقاومة» على حرص إيران على التهدئة، ومنع التصعيد والتدهور العسكري، ومواكبة الهدنة وتفاصيلها.

الربح بالنقاط

وتشير تقديرات إلى أن طهران تعتبر أن هدنة غزة بداية لمسار سيقودها إلى الربح بالنقاط على اسرائيل، خصوصاً أن إسرائيل ستكون فشلت في هزيمة حركة حماس، بل تفاوضت معها. كما أن المشكلة الكبرى ستكون في الداخل الإسرائيلي من خلال الخلافات والصراعات التي قد تنفجر بين المسؤولين الإسرائيليين.

كما أنه بالنسبة إلى إيران وحزب الله، ففي حال تم وقف الحرب، فإن حكومة بنيامين نتنياهو ستسقط، وهذا سيعتبر نقطة نجاح إضافية للإيرانيين، حيث سيدخل الإسرائيليون في عملية شاقة لتقييم ما حدث في 7 أكتوبر ومحاسبة المقصرين، بمن فيهم نتنياهو نفسه، وربما وزير الدفاع يوآف غالانت، وترى إيران وحزب الله أن هذا الأمر لا يجعل الحكومة الحالية في وارد التخلي عن الحرب أو عن العمليات العسكرية في هذه المرحلة.

وبحسب هذه التقديرات، فإن هدف إيران هو وقف الحرب لا تصعيدها ولا تطويرها لتصبح حرباً إقليمية، لأن ذلك سيفيد إسرائيل باستدراج أميركا إلى جانبها. وفي هذا السياق، لا تخفي مصادر دبلوماسية غربية أنه لا أميركا ولا إيران تريدان الحرب، وهناك مفاوضات مباشرة وغير مباشرة بين الطرفين، وبالتالي لا بد من الحفاظ عليها، وعدم الإطاحة بها في حال تدهورت الأوضاع أكثر.