ذكر التقرير أن إيرادات النفط تمول نحو%90 من نفقات الموازنة العامة، وقد تكون النسبة أعلى لو التزمت الحكومة بسداد مستحقات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أولاً بأول، وقد ترتفع أيضاً لو احتسبت بنود إنفاق من خارج الموازنة.
وبلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي للسنة المالية 2020-2021 نحو 43.7 دولارا، وفي صيف عام 2020 صرح وزير المالية حينها بأنه قد يعجز عن سداد الرواتب والأجور، وبلغ معدل سعر البرميل نحو 80.1 دولارا في السنة المالية 2021-2022 بعد انحسار قيود كورونا.
وفي فبراير 2022 اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى إلى بلوغ معدل سعر البرميل إلى نحو 94.2 دولارا بسبب علاوة المخاطر، وحققت السنة المالية 2022-2023 فائضا، وتم نسيان كل العجوزات المالية العامة لسبع سنوات متصلة قبلها.
ورغم انخفاض معدل سعر برميل النفط الكويتي في أواخر السنة المالية الفائتة، واستمرار الانخفاض للسنة المالية الحالية، ما أدى إلى بلوغه 85.8 دولارا لما مضى من السنة المالية (01 أبريل 2023 إلى 22 نوفمبر 2023)، فإن تقديرات النفقات العامة للسنة المالية 2023-2024 بلغت مستوى قياسيا بحدود 26.3 مليار دينار، ليس ذلك فقط، ولكن أصبح الثابت منها مرتفعا جداً ولا مقابل له في أي من دول العالم، فنصيب النفقات الجارية بلغ نحو%90.5 ونصيب الرواتب والأجور والدعومات ضمنها بلغ نحو%79.3.
وبينما يبلغ سعر التعادل للموازنة الحالية نحو 92.9 دولارا، وفقاً لتقديرات وزارة المالية، وبلغ سعر برميل النفط الكويتي لما مضى من السنة الحالية نحو 85.8 دولارا، كما ذكرنا، أي بعجز عن سعر تعادل الموازنة بنحو 7.1 دولارات، واتجاه أسعار النفط منذ بداية السنة المالية الحالية إلى هبوط، إلا أن ذلك لم يوقف المقترحات الشعبوية وبأسبقية حكومية.
ويبدو أن هناك توافقا لدى إدارتها العامة حول إضافة نفقات جارية كلفتها التقديرية بحدود 1.5 مليار دينار، ما يعني احتمال أن يبلغ عجز السنة المالية الحالية نحو 3.4 مليارات، بعد إضافة ربع هذا المبلغ إلى تقديرات النفقات العامة في الموازنة الحالية.
وما يفترض أن تعرفه الإدارة العامة لو كانت تهتم بمستقبل بلدها، أن عجز السنة المالية القادمة 2024-2025 عند نفس مستوى النفقات العامة الحالي زائداً 1.5 مليار دينار، أو الإضافة الجديدة، ما يعني نفقات بنحو 27.8 مليار دينار، سوف يبلغ 6.1 مليارات دينار عند معدل متفائل لأسعار النفط بحدود 80 دولارا للبرميل، ويرتفع إلى 9.0 مليارات دينار عند معدل لأسعار النفط بحدود 70 دولارا.
وعند ذلك المستوى من أسعار النفط، سوف تصبح الرواتب والأجور والدعومات نحو%113 من حصيلة إيرادات الموازنة العامة، وأعلى من ذلك للنفقات الجارية، ومن دون احتساب تكلفة استيعاب ما بين 20 ألفا و25 ألف مواطن قادمين إلى سوق العمل.
أما المستقبل فمخاطره غير محتملة، فالنفط يفقد من سعره بانحسار المخاطر الجيوسياسية، ويفقد من سعره بسبب مخاوف البيئة المعززة بالقوة التفاوضية غير المتكافئة بين مستهلكين يدافعون عنها بالحق والباطل، ومنتجين.
والكويت تفقد من صافي حصيلة صادرات النفط نتيجة ارتفاع تكلفة إنتاجه، ونتيجة ارتفاع مستوى الاستهلاك المحلي، وتفقد جزءا من نصيبها في إنتاجه ضمن «أوبك» بسبب خفض الإنتاج لدعم الأسعار، بينما يأكل التضخم جزءا من قيمة صادراته، ويؤدي ارتفاع عدد السكان واحتياجاتهم ونحو 25 ألف مواطن قادم جديد كل سنة إلى سوق العمل إلى ضرورة زيادة مستوى النفقات العامة بشكل مستمر.
سيناريو مصائب المستقبل القريب مبسط إلى أقصى درجة، ما لا نفهمه هو ما إذا كان مسار المالية العامة بمخاطره الحتمية التي سوف يدفع ثمنها في المستقبل نحو%99 من مواطني البلد غائبا عن مخيلة مسؤوليه، أم أنهم لا يهتمون سوى بيومهم ومناصبهم.