هذه نكبة جديدة تضرب الشعب الفلسطيني والعالم العربي، منذ تفجر الأوضاع في غزة يوم 7 أكتوبر، هذه «النكبة» انصبت خاصة على رؤوس الأطفال الذين قتلوا بالمئات والآلاف في البيوت والمستشفيات وحتى أثناء السير نحو «الأماكن الآمنة» كما وُصفت، كما ضاعفت الحرب مخاطر وأعباء المرأة الفلسطينية، وكبار السن والمرضى، حيث هيمن جحيم من النار والقنابل والجوع والعطش والدمار على حياة كل سكان «غزة»، كل العالم متعاطف مع مأساة غزة، والكل يرى ويلمس الظلم والألم الذي يقع على جموع أهل غزة وعموم الشعب.
هذه النكبة بعكس نكسة 1967، تقع تحت أعين الكاميرات وأجهزة التواصل ومحطات التلفاز وتنقل تفاصيلها إلى كل منزل عبر العالم وإلى كل أركان الدنيا، وينقل تطوراتها ووقائعها المراسلون المتجمعون من كل الدول حتى طغت مأساة غزة على حرب أوكرانيا وكوارث السودان وأزمة تايوان.
هل «للإخوان المسلمين» بامتداداتهم المحلية والدولية، ولإيران وقيادات الحرس الثوري ومختلف الأجهزة، و«لجبهة الممانعة» المعادية لأي حل سلمي للقضية الفلسطينية، يد في إشعال هذه الحرب المدمرة؟ ليس لدي أي شك في دور هؤلاء وتشجيعهم لنسف جهود السلام التي كانت تقودها المملكة العربية السعودية وغيرها، حيث نجحت هذه الحرب في إفشال أي محاولة من هذا النوع، ولا أحد يدري إلى كم من الوقت وبأي ثمن، وماذا سيتبقى من فلسطين 1948 و1967 أو اتفاقية أوسلو 1993، بل مبدأ حل الدولتين المثير للجدل للتفاوض عليه!
فما من حرب دخلناها باسم «تحرير فلسطين» منذ 1948، دفاعاً أو إنقاذاً، بما في ذلك ردود «حزب الله» وغيرها من حروب، إلا تنتهي بكارثة كبرى للعالم العربي وبتدهور حياة الشعب الفلسطيني.
ومن أسباب هذه الكوارث استبداد الأنظمة وارتجال قراراتها والتعصب الأيديولوجي والحزبي والانقسامات الفلسطينية والعربية وعدم واقعية الشعارات وهيمنة الرؤى القومية والدينية، وهكذا امتد عذاب الفلسطينيين 75 عاماً حتى الآن، وهو رقم لا يمكن أن أخطئ فيه، لأني بموجب شهادة الميلاد من مواليد 1948، وربما ستمتد المأساة بما يكمل المئة عام دون حل.
ولعل من أبرز أسباب دوام المشكلة والمأساة عدم استشارة الشعب الفلسطيني نفسه بطريقة شفافة وحرة ودون تشهير وإكراه، فالكلمة النافذة حتى الآن في مصير الشعب الفلسطيني للزعماء السياسيين وقادة التنظيمات الدينية والسياسية وكبار وصغار الإعلاميين والكُتّاب، وهذا محسوب على كذا ولا بد من أخذ فلان في الاعتبار، ولا يُسمح لأحد من الفلسطينيين أو غيرهم في العالم العربي والإسلامي مثلاً، أن يفكر في مستقبله بشكل حر وواقعي أو يدافع عن أي رؤية أو فكرة، دون أن تنال منه الشتائم والاتهامات بالتخوين و«الصهينة» و«الانبطاحية» وغيرها، إذ يبدو أن الفلسطيني لا ينفع إلا كشهيد أو لاجئ أو مشرد!
عبّر الفلسطينيون لسنوات عن استيائهم من تولي الدول العربية مصيرهم، ونزل الشعب الفلسطيني بمنظماته إلى الميدان قبيل النكسة وبعدها، لكن العرب الذين خرجوا من الأبواب بأفكارهم وسياساتهم القومية والدينية والتقدمية والمصلحية وغيرها، دخلوا على العمل الفلسطيني من الشبابيك، وكثرت «أذرع» الأحزاب والأنظمة في العمل الفلسطيني، ومعها «جيوش التحرير» و«جبهات النضال» حتى أصبحت فلسطين وأوضاع شعبها آخر الاهتمامات، وما كاد العرب يوصمون بــ«بيع القضية وزيارة الرئيس السادات للقدس» حتى ظهرت في الأفق «الثورة الإيرانية الإسلامية»، وأداتها اللبنانية الضاربة «حزب الله»، وبات مصير القضية الفلسطينية في أيد كثيرة.
كان القتل أو القمع أو المطاردة مصير كل فلسطيني يعارض أي سياسة أو خطط لأحزاب وجبهات وقوى المعارضة، وسرعان ما تعامل «حزب الله» مع معارضيه الشيعة بالخيارات نفسها، وكما هي حال الأنظمة والحكومات العربية التي عُرفت بالقمع والتصفية، صارت المنظمات الفلسطينية واستخباراتها أخطر منافس في هذا المجال، وأصبح المواطن الفلسطيني يعاني الأمرّين من الدولة التي يقيم فيها، ومن «المقاومة» التي «تدافع» عنه وتريد تحريره!
هل توقعت «حماس» كل هذا الدمار والخراب والقتل؟ هل استشارت أحداً من قريب أو بعيد؟ أم بالغت في التساهل والاتكال والمساندة الخارجية؟ هل تغير وجه القضية ومصيرها لفترة طويلة قادمة؟ هل من عودة لأهل غزة إلى بيوتهم التي محيت من الوجود؟ لا أحد يدري على وجه الدقة حتى الآن!