رغم الهدوء النسبي الحذر الذي خيم على قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي، أمس، تعرضت الهدنة المؤقتة بين «حماس» وإسرائيل، التي دخلت حيز التنفيذ فجر الجمعة بوساطة قطرية - مصرية، للخطر، بعد انتهاكات اسرائيلية لبنود الاتفاق.

ووسط محاولات حثيثة لتمديد الهدنة، تعرقل لساعات الإفراج عن الدفعة الثانية من الرهائن، والتي كان من المفترض ان تشمل 42 معتقلاً فلسطينياً و13 رهينة تحتجزهم «حماس» منذ هجومها على الدولة العبرية في 7 أكتوبر الماضي، وذلك غداة إطلاق دفعة أولى من الجانبين بأول أيام الهدنة، التي تمتد 4 أيام، وتشتمل على اتفاق لتبادل إطلاق 50 رهينة إسرائيلية أغلبهم من الأطفال والنساء مقابل إطلاق سراح 150 معتقلاً فلسطينياً من نفس الفئة.

Ad

وقالت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ «حماس» إن التأخير ناجم عن انتهاكات إسرائيلية وعدم التزام تل أبيب بمعايير الافراج عن الأسرى وبإيصال مساعدات الى مناطق شمال غزة. وأوضحت مصادر لـ «الجريدة» أن إسرائيل لم تلتزم في اليوم الأول بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا أطول فترة في السجن، وكذلك رفضها عودة سكان شمال القطاع الى منازلهم، وعدم تسليم مساعدات الى مناطق شمال غزة. وقالت المصادر إن مهمة الوفد القطري الذي زار تل أبيب أمس كانت التوصل الى حلول لهذه المشاكل التقنية.

جاء ذلك فيما دخلت أكبر قافلة مساعدات إنسانية تضم 200 شاحنة للمنطقة الفلسطينية المحاصرة عبر معبر رفح المصري منذ بدء الحرب بين الجانبين في 7 أكتوبر الماضي.

وبرزت أمس، مأساة طفلة فلسطينية دخلت سجون الاحتلال بتهمة محاولة طعن شرطي إسرائيلي عام 2015 وخرجت ضمن صفقة التبادل أمس الأول، وقد بلغت 24 عاماً.

وتحدثت مصادر طبية عن إصابة 36 فلسطينياً، بعضهم بالرصاص الحي، جراء صدامات مع القوات الإسرائيلية خلال استقبال الدفعة الأولى من المحررين.

وكان اليوم الأول من الهدنة قد اشتمل على إطلاق سراح 10 تايلانديين وفلبيني واحد من بين الرهائن المحتجزين في غزة، والذين تم اقتيادهم للقطاع خلال هجوم «حماس» غير المسبوق الذي أسفر عن مصرع 1200 إسرائيلي وأسر نحو 240 بينهم العديد من مزدوجي الجنسية والأجانب.

في هذه الأثناء، ذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أن طواقمه تسلمت، أمس الأول، 196 شاحنة مساعدات من الهلال الأحمر المصري عبر معبر رفح، فيما أفادت منظمة أونروا بوصول أكبر عدد من شاحنات المساعدات الإغاثية إلى غزة منذ بدء الحرب بدخول قافلة تضم 200 شاحنة عبر المعبر المصري. وتضمنت المساعدات دخول الدفعة الثانية من تجهيزات لمستشفى إماراتي ميداني جارٍ العمل على إقامته في جنوب القطاع.

وأعلنت إيران أمس، أنها سهّلت إطلاق سراح 10 رهائن تايلانديين من غزة أمس الأول، وقدمت قائمة أسماء لحركة حماس بعد طلب من وزارة الخارجية ورئيس البرلمان التايلانديين للقيام بذلك.

اتهامات «حماس»

وجاء صمود الهدنة رغم اتهام مستشار رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» طاهر النونو، إسرائيل بخرق الاتفاق وإطلاق النار في أكثر من موقع، وقتل 2 بشمال غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع، إضافة لعدم التزامها بالبنود المتعلقة بإدخال الشاحنات. كما أكدت مصادر طبية، أن قوات الجيش الإسرائيلي عمدت إلى تدمير محوّلات الكهرباء في العديد من المستشفيات بشمال القطاع بعد تفتيش المقار الصحية والانسحاب منها، وفي مقدمتها مستشفيا الرنتيسي والشفاء بمدينة غزة.

وأمس، دعت «حماس» في بيان، دول العالم إلى «الانحياز لعدالة القضية الفلسطينية ووقف الإبادة الجماعية في غزة ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الأطفال والمدنيين».

وثّمنت أكبر حركة فلسطينية مسلحة موقف رئيسي وزراء بلجيكا وإسبانيا «الرافضين لتدمير غزة وقتل المدنيين» عقب قيامهما بزيارة إلى مقر السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية المحتلة ولقاء الرئيس محمود عباس.

ووصف عضو المكتب السياسي لـ «حماس»، موسى أبو مرزوق إطلاق سراح الأسرى بـ «الانتصار لإرادة الشعب الفلسطيني». وقال إن «حماس تدير المشهد على الأرض بكل اقتدار. والاحتلال يشن حرباً على المستشفيات والبنى التحتية».

مستقبل الحرب

في المقابل، حذّر الجيش الإسرائيلي، أمس، سكان القطاع من محاولة الانتقال إلى الشمال، أو الاقتراب من الحدود أو الساحل، خلال فترة التعليق المؤقت للأعمال العسكرية. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ان الجيش سيواصل الحرب فوز انتهاء الهدنة لتحقيق الأهداف المرسومة له بما في ذلك القضاء على «حماس».

وجاءت تصريحاته في وقت سادت «تقديرات متشائمة» في الأوساط المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حيال إمكانية العودة إلى استئناف الحرب البرية وتوسيعها في قطاع غزة، مع المضي في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى.

ورأت أوساط عبرية أن وقف إطلاق النار المؤقت في غزة يمنح الوقت لـ «حماس» من أجل التحضير لمرحلة جديدة تهدف بشكل أساسي إلى البقاء في السلطة، ومن ثم عرقلة خطط إسرائيل الرامية لإنهاء حكمها للقطاع وخلق ضغوط دولية لإنهاء الحرب التي تسببت في مقتل 14200 فلسطيني وشردت 1.5 مليون من سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.3 مليون.

راحة بايدن

وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن اعتقاده بأن هناك فرصا «حقيقية» لتمديد الهدنة بغزة، لكنه رفض التكهن بشأن المدة التي ستستمر خلالها الحرب بين إسرائيل و»حماس».

وقال بايدن إنه يأمل في الإفراج عن المواطنين الأميركيين الذين تحتجزهم «حماس» قريباً، مضيفا «لا أثق بقيام حماس بالشيء الصحيح وهي تخضع للضغوط فقط».

وأكمل الرئيس الأميركي: إن واشنطن «تعمل على تحقيق حل الدولتين كي يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنباً إلى جنب، وتتطلع لإنهاء دائرة العنف، لنصل إلى حل يجعل الفلسطينيين والإسرائيليين يعيشون في سلام وفق حل الدولتين».

ووصف بايدن عملية إطلاق سراح الرهائن الأولية بأنها «نتاج دبلوماسية أميركية مكثفة واتصالات عديدة أجراها مع قادة العالم في المنطقة، بما في ذلك أمير قطر، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس المصري»، وشكرهم على جهودهم و»الشراكة الشخصية» خلال المفاوضات المضنية التي استمرت لأسابيع، وأشار إلى أنه سيظل على اتصال وثيق مع القادة لضمان بقاء الاتفاق في المسار الصحيح.

وأشار إلى المساعدات الإنسانية التي تذهب إلى غزة كجزء من الهدنة، قائلاً إن الأشخاص الموجودين في المنطقة «لا يضيعون دقيقة واحدة» للحصول على الإمدادات الحيوية، مثل الوقود والأدوية وغاز الطهي والغذاء، وأن المبعوث الأميركي الخاص ديفيد ساترفيلد يراقب التقدم على هذه الجهة، وقال بايدن إنه «طلب منه اطلاعه على آخر المستجدات دقيقة بدقيقة».

وأثار الرئيس الأميركي تفاعلاً بين رواد مواقع التواصل بعد أن لفت إلى أنه يعتقد أن «أحد الأسباب وراء هجوم حماس هو أنهم كانوا يعلمون أنني أعمل على مقربة كبيرة مع السعوديين وغيرهم في المنطقة لإحلال السلام في المنطقة، عبر الاعتراف بإسرائيل وحقها بالوجود، لعلكم تذكرون عندما شهدنا قمة العشرين قبل فترة، وأننا سنبني سكة حديدية من الرياض عبر الشرق الأوسط من السعودية إلى إسرائيل، وصولاً إلى أوروبا، ليس فقط سككَ حديد بل أنابيب تحت الأرض».

وتابع بايدن قائلاً: «هناك اهتمام كبير بهذا المشروع، وأعتقد أن معظم الدول العربية يعلمون ذلك، والتنسيق مع بعضها البعض في سبيل تغيير الديناميكيات في المنطقة عبر سلام طويل الأمد، وهذا ما سأستمر بالعمل عليه».

جاء ذلك في وقت ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن اتفاق تبادل الرهائن وتأمين وقف مؤقت للقتال في غزة، الذي تزامن مع عطلة عيد الشكر، يوفر للرئيس بايدن فترة راحة مؤقتة من ضغوط الديموقراطيين الذين يحثون على وقف كامل لإطلاق النار لإنهاء المأساة بغزة.

في سياق قريب، ذكرت مصادر مطلعة أن من المقرر أن يزور مسؤول بارز من «الخزانة» الأميركية، تركيا الأسبوع المقبل لإجراء محادثات بشأن عدة ملفات بينها «الأنشطة غير المشروعة» لحركة حماس.

على جبهة أخرى، أصابت القوات الإسرائيلية شابين بالرصاص الحي وقتلت طبيباً خلال مواجهات في بلدة قباطية جنوب جنين بالضفة الغربية المحتلة أمس. كما شنت حملة مداهمات واعتقالات في نابلس والخليل والعديد من مناطق الضفة.