إسرائيل تتحفظ عن دعوة السيسي إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح
أثار حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن «دولة فلسطينية مستقبلية منزوعة السلاح»، التساؤلات عن معنى هذه الحالة في القانون الدولي، ومدى قبول إسرائيل والسلطة الفلسطينية بذلك.
وقال السيسي، في مؤتمر صحافي مشترك بالقاهرة مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز، ورئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، أمس الأول: «قلنا إننا مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وأيضاً هناك ضمانات بقوات سواء هذه القوات من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية مثل ما ترونه مناسباً، حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية». وأشار السيسي إلى أن «مسار حل الدولتين فكرة استنفدت على مدار 30 سنة ولم تحقق الكثير»، داعياً إلى «الاعتراف بالدولة الفلسطينية».
الموقف الفلسطيني
في عام 2018، أكد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أنه يعتقد أن دولة فلسطين المستقبلية يجب أن تكون «منزوعة السلاح» خلال لقاء مع أكاديميين إسرائيليين وفق وسائل إعلام اسرائيلية.
إلا أن حركة فتح أصدرت بياناً توضيحياً قالت فيه إن الهدف الحالي هو «إقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وليس الخوض في سباق تسلّح مع أحد».
وفي عام 2014، قال عباس في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، إن الدولة الفلسطينية «لن يكون لها جيشها الخاص، بل قوة شرطة فقط». وأضاف: «ستكون منزوعة السلاح».
وكانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، قالت إن عباس دعم فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في مفاوضات السلام التي عقدتها معه بين عام 2013 و2014، خلال حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة، كما وافق على وجود قوات دولية، قد تكون من حلف شمال الأطلسي، على حدود الدولة الفلسطينية، اقتراحات بوجود أجهزة إنذار في مناطق حساسة، لكن نتنياهو رفض ذلك، وتمسك بوجود قوات إسرائيلية على حدود الدولة الفلسطينية، ما أفشل المفاوضات.
وعاد المقترح للظهور في 2020 في اطار «صفقة القرن» التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وأعلن وقتها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية عن تقديم «مقترح فلسطيني مكون من أربع صفحات ونصف الصفحة، ينص على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة ومنزوعة السلاح» إلى «الرباعية الدولية». في المقابل، لا تلقى فكرة دولة منزوعة السلاح قبولاً لدى العديد من الفصائل الفلسطينية خصوصاً «حماس».
موقف إسرائيل
في المقابل، كانت دولة فلسطينية منزوعة السلاح مطلباً إسرائيلياً منذ إعلان المبادئ لعام 1993، الذي كان بمنزلة الأساس لمعاهدة أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، وفق «مركز القدس للشؤون العامة».
وفي نوفمبر 2009، أكد نتنياهو أنه سيقبل بدولة فلسطينية «منزوعة السلاح»، طالما أنها لا تمتلك قوة عسكرية وتعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، حسبما ذكر موقع صوت أميركا وقتها.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، أمس، إن «نتنياهو تحدث خلال عامي 2009 و2010 عن حل الدولتين بوجود دولة فلسطينية (منزوعة السلاح) لكن هذه ليست سياسة الحكومة». مضيفاً «لقد تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين». وتابع: «الآن أذكركم أن قطاع غزة كان يفترض أن يكون منطقة منزوعة السلاح لكن الحقيقة أن حماس هربت الأسلحة والذخيرة»، مضيفاً لذلك فالوضع «ليس نفسه».
وفي 10 الجاري، أكد نتنياهو، أن إسرائيل «لديها خطة واضحة لما تعمل على تحقيقه من خلال الحرب ضد «حماس»، مستبعداً «احتلال غزة أو حكمها». وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز، قال «أعتقد أنه من الواضح كيف يجب أن يبدو مستقبل غزة... ستختفي حماس»، مضيفاً «عليهم أن يروا (غزة منزوعة السلاح) وخالية من التطرف».
تعريف نزع السلاح
ويشير مفهوم «نزع السلاح» إلى تخفيض أو حتى إلغاء التسلح والوجود العسكري في منطقة جغرافية محددة، وفق «كتاب أكسفورد للقانون الدولي». ومن الناحية العملياتية، فهو يعني ضمناً تفكيك الأسلحة والذخيرة والقوات المسلحة من أجل وضعها خارج نطاق الاستخدام العسكري. ويشير «التجريد من السلاح» أيضاً إلى عملية التخفيض المستمر في نفوذ الجيش في دولة ومجتمع معين.
و«المناطق المجردة من السلاح» هي التي يحظر فيها وجود أي مقاتلين أو أسلحة أو معدات أو مرافق عسكرية والتي لا يجوز أن تنطلق منها أي أعمال أو نشاطات عدوانية تساند أو ترتبط بالعمليات العسكرية، وفق «الأمم المتحدة».
وترى إسرائيل أن مصطلح «التجريد من السلاح» يشمل تعريفا أوسع مما هو مقبول أو منصوص عليه عادة في القانون الدولي، حسبما يشير «مركز القدس للشؤون العامة».
وفقاً لتعريف إسرائيل، فإن نزع السلاح هو وسيلة لتحقيق غاية مفادها: «ألا يتطور أو يؤتي أي تهديد أمني، سواء كان عسكرياً أو إرهابياً أو يشكل أي تعطيل آخر للحياة اليومية في إسرائيل» على حد تعبيرها.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن نزع السلاح يعني أنه «لن يتم إنشاء أي جيش فلسطيني أو قدرات عسكرية يمكن أن تشكل تهديداً».
هل يمكن تطبيق المقترح؟
وفي حديث مع موقع «الحرة»، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، أن السلطة الفلسطينية تقبل بوجود «دولة منزوعة السلاح تعيش بسلام مع إسرائيل، بما يتناسب مع الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية».
ويضيف الرقب، أن المقترح «قابل للتطبيق»، لكنه يشير الى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية أو حتى المعارضة في إسرائيل «لن تقبل بوجود دولة فلسطينية مستقلة حتى لو كانت منزوعة السلاح».
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن حديث السيسي يحاول «تحريك المياه الراكدة، وفتح آفاق للسلام»، والاعتراف بدولة فلسطينية، في ظل تعذر «حل الدولتين».
ونقلت صحيفة «العرب» اللندنية عن مراقبين إشارتهم إلى وجود عقبات كبيرة في طريق تنفيذ حل الدولة منزوعة السلاح، في مقدمتها مصير سلاح الفصائل، فحركتا حماس والجهاد تسوّقان للهدنة الحالية على أنها انتصار لهما، ومن الصعب أن يتم حرمانهما من الأداة التي حققت لهما مكاسب عديدة، وهي إشكالية تستوجب حلاً يأتي عبر توافق فلسطيني لا يمكن حدوثه في ظل الانقسام.
وأضاف المراقبون أن دولة منزوعة السلاح تحتاج إلى عملية سياسية شاملة تأخذ بعين الاعتبار رسم حدود الدولة، وما إذا كانت ستقام على حدود الرابع من يونيو 1967، وما يرافق ذلك من محددات بشأن الموقف من القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين، والأراضي التي تتخلى عنها إسرائيل بعد أن أغرقت الضفة الغربية بالمستوطنات.