تتمثل أهمية الهيئة العامة للاستثمار في حجم الأصول التي تديرها تحت مسمى الصندوق السيادي، ويُعدّ هذا الصندوق موردا بديلا أساسيا لتمويل ميزانية الدولة عند الحاجة المستقبلية، كما أنه يعد ضمن أحد الاعتبارات المهمة لدى وكالات التصنيف الائتماني عند تقييم الحالة الائتمانية للدولة. هذا بالنسبة إلى الكويت، أما بالنسبة إلى الأسواق العالمية، فهو أقدم صندوق سيادي، كذلك يعدّ من الأكبر حجما حتى سنوات قليلة مضت، إضافة الى أنه يستثمر في معظم أنحاء العالم، مما يعطيه تأثيرا بشكل أو بآخر على اقتصادات الدول المستثمر بها.

ورغم جميع ما سبق، يُدار الصندوق بطريقة غامضة وبعيدة كل البعد عن أسس وقواعد الحوكمة التي تعد الشركات الخاصة محدودة التأثير والأهمية في الاقتصاد مطالبة قانونيا بالالتزام بها، فكيف بهيئة تتولى إدارة أموال عامة تقارب 800 مليار دولار؟

Ad

وفي المقابل، نجد أن الصناديق المماثلة تنتهج سياسة شفافية واضحة وتعلن بشكل دوري عن إنجازاتها وأهدافها القصيرة والبعيدة المدى.

فمثلا يظهر رئيس صندوق الاستثمارات العامة بالسعودية، بشكل دوري، في وسائل الاعلام وحتى في وسائل التواصل المختلفة، ليتحدث عن استراتيجيات وأهداف الصندوق بكل شفافية ووضوح، بما يعزز الثقة في رؤية الدولة.

ويذكر أن المملكة صرحت بأن هدف القائمين على الصندوق أن تتجاوز أصوله 10 تريليونات ريال سعودي عام 2030، وأن يوفر 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر، بينما لم يعلن الصندوق السيادي المحلي أبدا، منذ تأسيسه، عن أهدافه التي يسعى لتحقيقها من حيث حجم الأصول وغيرها.

وعليه، نعتقد أن هذه السياسة السرية المنعدمة الشفافية ألقت بظلالها على أداء الصندوق لعدم القدرة على الرقابة في ظل غياب المعلومات، وكانت النتيجة ما يلي:

- يُعد الصندوق الكويتي من الصناديق الأقل نموا، حيث تراجع ليحتل المركز الخامس عالميا بحسب «SWFI»، رغم حجم الأصول التي يمتلكها منذ زمن بعيد وسياسة إعادة استثمار الإيرادات والأقدمية الصريحة مقارنة ببقية صناديق العالم.

- هناك ربط مفقود مع سياسات الدولة التنموية العامة ورؤيتها المستقبلية.

- انتهاج سياسة استثمارية مجهولة ومستغربة في بعض الأحيان، كالتخارج أخيرا من «مرسيدس- بنز»، والاستثمار في دولة عربية تعاني أزمات اقتصادية عديدة منذ سنوات أدت الى تخفيض تصنيفها بشكل غير مسبوق.

- عدم اتّباع نظام حوكمة متين، والأمثلة على ذلك سياسة مكافآت وحوافز مجهولة

وسياسة تعيين في الوظائف القيادية والعضويات في الشركات التابعة أيضا غير معلومة.

وبناء على كل ما سبق، نعتقد أنه لا بدّ من إصلاحات حقيقية لعمل الهيئة، وذلك نظرا لأهميتها القصوى وأثرها على الاقتصاد فيما لو تم استغلالها وتوظيفها بشكل عملي وصحيح.

لذلك نقدّم المقترحات التالية لتطوير عمل الهيئة:

- وضع أهداف استثمارية معلنة وقابلة للتحقيق في مدد زمنية معيّنة، وتوجيه جزء من الاستثمارات لتخدم رؤية الدولة التنموية، واتّباع قواعد الحوكمة بشكل فعلي، وبالأخص انتهاج سياسة شفافية عالية تولّد ثقة عالية في رؤية الدولة، وبالتالي تنعكس على نجاحها وتحقيقها، مع وجود تواصل إعلامي بشكل دوري، خصوصا أثناء الأحداث الاقتصادية المهمة إقليميا وعالميا لعرض انعكاسات مثل تلك الأحداث على الصندوق وكيفية الاستفادة منها لمصلحة الصندوق ورؤية الدولة ككل.