هل نحتاج إلى مصارحة خليجية – عربية؟
ليس من الحصافة في شيء أن نختزل «المزاج العربي العام» وسط أحداث الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة، بعبارة «من يسيء إلى المسؤولين العرب ويسب إسرائيل» كما ورد في مقال الكاتبة البحرينية الزميلة سوسن الشاعر، فقد خلطت بين قضيتين لا يجوز الجمع ولا حتى المساواة بينهما، فمن يشتم أو يوجه النقد إلى مسؤولين عرب لا صلة له بذلك مع من يقف في وجه إسرائيل ومشروعها الاستيطاني والتوسعي سواء في فلسطين أو في العالم العربي.
وبعيداً عن مفردات راجت بين فريق «الممانعة والمقاومة» أو بين فريق «المهادنة والعقلانية» بات واضحاً أن هناك هوّة واسعة لدى غالبية النخب والمثقفين العرب في بلاد المشرق وإخوتهم في الخليج العربي، حيث يسود هنا خطاب مختلف في توجهاته ونظرته إلى الصراع العربي– الإسرائيلي أو الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، وما يجري في قطاع غزة وجوارها من منازلات وجولات عسكرية عنوانها «وحدة ساحات المقاومة» مقابل الآلة العسكرية الإسرائيلية وما تلقاه من كل أشكال الدعم «الغربي» المالي والسياسي والعسكري.
ولا يخفى على أي متابع أو باحث، تلك الأصوات الخليجية الرافضة للانسياق وراء الحرب التي فجرتها حركة حماس والدور الإيراني المؤيد والمستفيد والمحرك لتلك الحرب، قبل أن تستعر المواجهة العسكرية منذ الأسبوع الأول وتمعن أسوأ حكومة يمينية فاشية في إسرائيل في جرائم حرب وإبادة ضد شعب مدني أعزل يعيش تحت الاحتلال.
هناك صورة ملتبسة إن لم نقل مشوهة ما زالت عند البعض عن الخليج العربي، تحتاج إلى شيء من المصارحة والمكاشفة بين طرفي المعادلة، كما أن لدى الخليجيين نوعاً من المرارة للنظرة التي يراها فيها عموم أبناء بلاد الشام وبلاد المغرب العربي ومن بينهم عدد كبير من المثقفين والنخب.
أضم صوتي إلى من سبقني بدعوته أننا بحاجة إلى مصارحة بين الطرفين عبر نقاشات جدية تهيئ الأرضية لقيام لغة مشتركة تأخذ بعين الاعتبار الهوية الوطنية والقومية والأمن العربي المشترك ومصالح هذا الإقليم وفوق هذا الهوية الخليجية ونقاط الالتقاء والخلاف بينها وبين الهوية العربية في مفهومها الواسع.
كنت سعيداً بالرد الذي كتبه الزميل سعد محيو على الكاتبة سوسن الشاعر، من زاوية وجود الهموم المشتركة وحجم المخاطر التي تهدد الإقليمين، وتحتاج إلى نقاش وتفهم، سواء التي يشعر بها المواطن الخليجي أو تلك التي يعانيها ابن المشرق العربي.
كان محقاً الزميل سعد في الإشارة إلى كتاب د.عبدالخالق عبدالله «لحظة الخليج» والذي عدد تلك المخاطر، فالنموذج الخليجي لا يقدم مشروعاً نهضوياً وتنموياً ومعرفياً صالحاً لبقية دول المنطقة العربية، وما يجري في بنيته السياسية لا يصلح للتصدير، ولا ينطلق من مشروع قومي ملهم، وقد اعتبر أن أكبر خطر وجودي يواجه «لحظة الخليج» من الداخل، خلل التركيبة السكانية وفقدانه أموراً جوهرية لها علاقة بالهوية والعروبة، بسبب العولمة التي تأتي بثمن باهظ.