«سنمسح بك شوارع حولي»
كان الحاجز المذهبي الشيعي أبرز الحواجز أو المعوقات بين «الجمهورية الإيرانية» و«حماس»، وقد نجحت إيران في تذويب هذا الحاجز بالمال والملايين التي تتكدس في خزائنها وبخاصة «أموال الخُمس» للدولة الإيرانية التي تبلغ آلاف الملايين من الدولارات والتي يتحكم فيها مرشد الثورة.. لا «المجلس» ولا الوزراء ولا رئيس الجمهورية الإيرانية!
صدر أول بيان لحماس في 16/1/ 1988، وأذكر حديثي مع أحد العاملين في جريدة الوطن خلال هذه الفترة وكان فلسطينياً متديناً على علاقة بالعمل السياسي ربما لحماس، وجرى الحديث حول التيارات الإسلامية السياسية، فروى لي جوانب من تجربته مع بعضها في الكويت وهي حركة الإخوان المسلمين الفلسطينية التي سميت فيما بعد «حماس» اختصاراً لــ«حركة المقاومة الفلسطينية»، وتقول عنها بعض المراجع إنها قامت بعمليات استشهادية وقتلت الكثير من الإسرائيليين وعارضت العملية السلمية ورفضت الاشتراك في انتخابات السلطة الذاتية الفلسطينية (معجم الشرق الأوسط، سعد سعدي، بيروت، 1988). ويقول «المعجم» أن البعض «يذهب إلى أن ثمة دوراً لإسرائيل والولايات المتحدة في قيام حركة حماس، وذلك بهدف شق صف المقاومة بين علمانيين وإسلاميين، وخلق فتن طائفية بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، ليسهل على إسرائيل بذلك القضاء على الانتفاضة الفلسطينية، ويبدو أن قيام الجمهورية الإسلامية في ايران عام 1979 قد غيرت حتى الاستراتيجية والأولويات الفلسطينية، وغير طبيعة العمل والأهداف، وربطها بما هو أبعد من مطالب الشعب الفلسطيني.
ويقول الباحث إبراهيم فؤاد عباس في كتاب له عن الحركة الوطنية الفلسطينية (1990) إن «الإخوان المسلمين في فلسطين كانوا قبل الانتفاضة يقدمون شرط قيام الخلافة الإسلامية على الجهاد لتحرير فلسطين واستمروا على هذا النهج حتى انشقت عنهم «حركة الجهاد الإسلامية» في أواسط الثمانينيات» (المعجم، ص 170).
خلقت ايران تنظيم «حزب الله» في لبنان عام 1982 منافساً لحركة «أمل» الشيعية التي كانت قد ظهرت عام 1974، أي قبل الثورة الإيرانية بخمس سنوات، وقد تأسست «حركة الجهاد الإسلامي» الفلسطينية المدعومة مالياً وسياسياً من إيران عام 1980، ومؤسسها وزعيمها د. فتحي الشقاقي، وهو طبيب من غزة، ألف كتاباً بعنوان «الخميني: الحل الإسلامي والبديل»، وقد انشقت حركة الجهاد عن الاخوان المسلمين وانتهجت الجهاد ضد إسرائيل بهدف إقامة دولة إسلامية في فلسطين بعد تحريرها. ويضيف المعجم أن ظهور تنظيم «الجهاد» كان محرضاً للإخوان المسلمين في فلسطين على انتهاج أسلوب الجهاد، وبالتالي تشكيل حركة «حماس».
وقد صرّح ياسر عرفات أكثر من مرة «أن حركة الجهاد الإسلامي ليست أكثر من تنظيم ديني تابع لحركة فتح»، وقد اغتيل د. فتحي الشقاقي «على يد المخابرات الإسرائيلية عام 1995»، كما يقول د.عدنان السيد حسين في كتاب له». (المعجم، ص 118).
تتشارك «فتح» و«حماس» و«الجهاد» في جذور الانتماء إلى «الإخوان المسلمين»، ويقول الباحث غسان وهبة: «مما لا شك فيه أن الرئيس ياسر عرفات كان عضواً في تنظيم الإخوان المسلمين وهذا الانتماء هو الذي سهّل لقاء الأسماء الأولى التي أسست حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» (خليل الوزير- صلاح خلف- سليم الزعنون- كمال عدوان- أبو يوسف النجار...)، التي كانت من الأسماء المعروفة بانتمائها إلى الإخوان المسلمين، لكن لماذا ترك هؤلاء تنظيم «الإخوان» وأسسوا حركة «فتح»؟ الإجابة عن هذا السؤال تختصر برفض الإخوان نهج العمل المسلح في تلك الفترة، وتفضيل التركيز على العمل الدعوي-التربوي، وأن الواقع لم ينضج للقيام بعمليات عسكرية، مما دفع بالعديد من كوادرهم إلى تأسيس حركة فتح» (الحركات الإسلامية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ج1، ص451، ط2013).
أعود الآن إلى الإسلامي الفلسطيني النشط الذي قابلته كما ذكرت في بداية هذا المقال في مكتبي بجريدة الوطن، وروى لي جوانب من علاقته بالإخوان في الكويت، وقال إن علاقته أخذت تتدهور بالجماعة عندما بدأ ينتقد بعض سياساتهم الحزبية وأبرزها التركيز على ضم أبناء الأثرياء والمعروفين والبارزين من الفلسطينيين إلى حركة الإخوان على حساب من هم أقل حظاً من المال والوجاهة حتى إن كانوا أحرص على صلاة الفجر ومظاهر التدين والتقوى.
ونحن نعلم أن مثل هذا السلوك الذي لاحظه الأخ الفلسطيني له جذور راسخة في جماعة الإخوان في كل مكان، في مصر والكويت وغيرها، وهي سياسة ناجحة مفيدة جلبت للإخوان في الكويت وغيرها المال والخبرات الإدارية والتغلغل الحكومي وكل ما هو مطلوب للسيطرة على أي مجتمع عربي.
وقد واصل الأخ الفلسطيني نقده وملاحظاته المخلصة ضد هذا التمييز دون فائدة وإصرار الإخوان على نهجهم، ولما لم ينفع كل ذلك معه بعثوا إليه «قبضاي» فلسطيني من الإخوان يهدده في حياته، فقال له ما معناه أو ما نصه: «بدّك تخرس وتبطل تخريب وإلا سنمسح فيك شوارع حولي؟»!!
ويقول: فسكتُّ بعد ذلك!