ما بعد صندوق الجيش
أُسدل الستار على قضية صندوق الجيش بأحكام الإدانة لعدد من المتهمين، وهم من أصحاب السطوة والنفوذ، وكانوا محلّ ثقة مطلقة من السلطة قبل سنوات بسيطة، أضفت عليهم نوعاً من الحصانة السياسية، ولكن لا مكان لها في عالم القانون والشرعية، وتصبح الأمور هلامية ومعتمة حين يختلط السياسي بالقانوني، وحين تكون مؤسسات الدولة ضعيفة واستقلال بعضها عن بعض غير واضح.
جريمة صندوق الجيش جريمة من جرائم استغلال النفوذ والانتفاع والتكسّب من الوظيفة العامة، وهي ليست أول جريمة، ولن تكون الأخيرة، طالما يتم تولية السلطة والقرار لحفنة من الطامعين الذين لا يقيمون فرقاً بين المال العام وحرمته وجيوبهم الخاصة، واعتادوا تاريخياً الغَرْف من الأموال العامة باعتبارهم أصحاب امتياز عليها حسب جيناتهم الوراثية، وهو أمر عادي في دول «مَن صادها عشّى عياله» وهم بطبيعة الحال، لهم عدة الصيد كاملة وتحت تصرّفهم.
ولولا نزاهة وإصرار الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد وإبلاغه النيابة العامة عن اختلاسات الصندوق لما تمّ الكشف عن الجريمة، ولتمّ طيّها في أدراج اللامبالاة السياسية بحكم العادة التاريخية، وهناك مَن كان يتصور أن الإبلاغ عن الجريمة كان وجهاً من وجوه الصراع على السلطة بين الكبار، وهذا ليس صحيحاً، فكان أضمن للراحل أن يسكت و«يطوّف» المسألة، ويضمن بقاءه على كرسي الوزارة، لكنه دخل المعركة كفارس وآثر التضحية بالكرسي السيادي في وزارة الدفاع من أجل شرف الوظيفة العامة.
رحل الشيخ ناصر عنّا وترك إرثاً ثميناً لكل مَن يتولى المنصب الوزاري، وهو إرث لا يمكن تخيّله ما لم تكن هناك مؤسسات قانونية مستقلة محايدة تشد من أزر النزهاء ولا تتأثر بطقوس الوجاهات والأعراف السياسية الضحلة التي درجت عليها الدولة.