في وقت خيمت الضبابية على مستقبل اتفاق الهدنة المؤقتة وتبادل المحتجزين التي قادت الدوحة جهود التوصل له بين إسرائيل و«حماس»، قام وفد قطري، برئاسة وزيرة الدولة للتعاون الدولي في وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، بالدخول إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري قادما من مصر أمس، بهدف الاطلاع على احتياجات المنطقة الفلسطينية العاجلة وتفقد حجم الدمار الذي لحق بها جراء الحرب المدمرة التي تشنها الدولة العبرية منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وقام الوفد، الذي يعد أول وفد عربي يزور القطاع الفلسطيني المحاصر منذ بدء الحرب، بزيارة مقر اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة الذي تعرّض لقصف إسرائيلي قبل نحو أسبوعين للاطلاع على حجم الأضرار التي لحقت به.
واجتمعت الوزيرة القطرية التي لعب بلدها دوراً بارزاً في اتفاق الهدنة، الذي يدخل يومه الرابع والأخير اليوم، ممثلين عن المؤسسات الحكومية الصحية والخدماتية في غزة لتقييم الأوضاع ومعرفة الاحتياجات الملحّة لسكانه.
وجاءت الخطوة اللافتة غداة قيام وفد قطري بزيارة غير معتادة لتل أبيب لضمان استمرار الهدنة وإطلاق سراح المحتجزين دون عوائق وبحث إمكانية تمديد وقف إطلاق النار المؤقت الذي سرى فجر الجمعة الماضية.
وليل السبت ـ الأحد، نجحت جهود قطرية ومصرية في نزع فتيل أزمة هددت بانهيار أول هدنة منذ الحرب بعد أن أخرت «كتائب القسام»، الجناح المسلح لـ «حماس»، عملية تبادل الدفعة الثانية من المحتجزين واتهمت الدولة العبرية بـ «ارتكاب خروقات» تتضمن عرقلة وصول المساعدات إلى شمال القطاع، وهو ما ردت عليه إسرائيل بالتهديد باستئناف العمليات القتالية.
العداء والتبادل
وتزامنت الجهود القطرية الميدانية اللافتة بغزة في ظل احتقان مكتوم بين سلطات الاحتلال ومصر التي رفضت فتح ممرات آمنة من القطاع الفلسطيني إلى سيناء لـ «تسهيل العملية البرية» الإسرائيلية الرامية لإنهاء حكم «حماس». ومع بروز الدور القطري بملف النزاع، وصف وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، الدولة الخليجية بأنها «عدو بامتياز»، مدعياً أن بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها الدوحة عام 2022، كانت «معادية للسامية».
وأتت التحركات القطرية بموازاة التحضيرات لإتمام المرحلة الثالثة من اتفاق تبادل الأسرى الذي ينص إجمالاً على إطلاق سراح 50 رهينة إسرائيلية مقابل 150 فلسطينياً من سجون سلطات الاحتلال وكلهم من النساء والأطفال أمس.
ونقلت أوساط عبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «حماس» لن تفرّق في الدفعة الثالثة التي تضم 13 رهينة بين أفراد الأسر مثلما فعلت في الدفعة الثانية، وإن معظم من ستُطلق سراحهم يقطنون منطقة واحدة من التي تعرضت لهجوم الحركة غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
وفي حين نقل عن الرئيس الأميركي جو بايدن أمله في «إطلاق سراح مزيد من الرهائن قريباً»، أشارت المصادر العبرية إلى توقعات بأن تضم الدفعة الثالثة مواطنين أميركيين احتجزوا خلال هجوم «حماس» الذي أسفر عن مقتل 1200 وأسر 242 العديد منهم من مزدوجي الجنسية والأجانب.
كما تحدثت تقارير عن استعداد الحركة المسيطرة على غزة لإطلاق سراح رهينة روسية تلبية لطلب من الرئيس فلاديمير بوتين، إضافة إلى العدد المتفق عليه بالدفعة الثالثة.
وفي اليوم الثاني من الهدنة، أطلقت أكبر حركة فلسطينية مسلحة مجموعة ثانية مكونة من 17 محتجزاً، بينهم 4 من حملة الجنسيات الأجنبية بشكل منفصل، استجابة لوساطة من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مقابل إطلاق سراح 39 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية.
وأوضح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الإسرائيليين الذين أفرجت عنهم «حماس»، ليل السبت ـ الأحد، هم 6 نساء و7 قصّر.
خروقات وتهديد
في غضون ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية أن مزارعاً قُتل وأصيب آخر برصاص القوات الإسرائيلية، بوسط غزة في ثاني خرق، أمس، للهدنة المُعلنة.
وفي وقت سابق، أفادت جمعية الهلال الأحمر بأن 7 مواطنين أصيبوا برصاص القوات الإسرائيلية في محيط مستشفى القدس بتل الهوى غرب مدينة غزة، وبمحيط المستشفى الإندونيسي في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، في اليوم الثالث للهدنة.
ومع استمرار دخول قوافل إغاثية تضم نحو 200 شاحنة محملة بمواد أساسية ووقود، عبر معبر رفح المصري إلى قطاع غزة مع تخصيص ربعها لإمدادات المؤسسات الدولية والملاجئ بشمال القطاع الذي تعرّض لأعنف موجات القصف الجوي والعمليات البرية، أكد المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية منير البرش، أنه يجب إدخال قدر كافٍ من الأدوية والمستلزمات الطبية في ظل الوضع الصحي الكارثي في المستشفيات، مضيفاً أن «المساعدات الطبية والوقود التي وصلت إلى شمال غزة محدودة جداً وغير كافية».
وأمس، جدد عضو مجلس حكومة الحرب الإسرائيلية، بيني غانتس، تأكيد قادة الدولة العبرية أن قواته العسكرية مستمرة في جهود إدارة الحرب على غزة، مبيناً أنه سيكون هناك وقت للانتقاد وآخر لإجراء التحقيقات، ولكن الوقت الآن لإدارة المعركة ضد غزة.
تصعيد الضفة
وعلى جبهة أخرى، شهدت الضفة الغربية المحتلة يوما دامياً، إذ قتل 8 فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات تركزت في مدينة جنين.
وأفادت وزارة الخارجية الفلسطينية بمقتل 5 خلال توغله بمركبات مدرعة في جنين التي شهدت أخيراً أعنف عملية إسرائيلية في الضفة منذ نحو 20 عاما، وراح ضحيتها 14 شخصا.
وأكدت مصادر طبية أن 15 شخصا أصيبوا بجروح خلال عملية التوغل التي أكد شهود في المدينة أنه تخللها قصف من طائرة إسرائيلية مسيّرة استهدف مخيم جنين للاجئين.
وحاصرت عربات عسكرية المستشفى الحكومي في جنين، إضافة إلى مستشفى ابن سينا.
ودارت اشتباكات مسلحة بين عناصر «كتيبة جنين»، التي تضم فصائل فلسطينية مختلفة، وقوات الجيش الإسرائيلي بمحيط المخيم.
وعم إضراب شامل في جنين حداداً على أرواح القتلى، فيما توعدت «حماس» إسرائيل بـ «رد مناسب» على هجماتها في جنين.
في المقابل، أكدت سلطات الاحتلال أنها نفّذت «عمليات لمكافحة الإرهاب» ليل السبت/ الأحد، مشيرة إلى توقيف شخص تتهمه بتنفيذ عملية في أغسطس الماضي أدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين بمحيط بدلة حوارة.
ومنذ بدء حرب غزة، قتل 248 فلسطينياً بنيران الجيش الإسرائيلي ومستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وأصيب نحو 3 آلاف.
قادة «القسام»
إلى ذلك، كشفت «القسام» عن مقتل عدد من أبرز قاداتها منذ بدء معركة «طوفان الأقصى»
وقالت «القسام»، في بيان، إنها «تنعى عضو المجلس العسكري وقائد لواء شمال القطاع أحمد الغندور»، كما نعت إلى جانبه عدداً من قادتها العسكريين، هم وائل رجب، ورأفت سلمان، وأيمن صيام. والغندور هو الرجل الثالث في قيادة «القسام»، بعد محمد الضيف القائد العام لها ونائبه مروان عيسى، كما أنه من أقدم المطلوبين على قوائم الاغتيال الإسرائيلية. ونجا الغندور، الذي وضع على قائمة الإرهاب الأميركية بسبب عدة اتهامات من بينها اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، من 5 محاولات اغتيال إسرائيلية منذ عام 2014.
والغندور هو ثاني أعضاء المجلس العسكري لـ «القسام» الذين تغتالهم إسرائيل خلال الحرب الحالية بعد أيمن نوفل.
مأزق إسرائيلي
ورغم الإعلان عن الخسائر بصفوف الجناح المسلح لـ «حماس»، فإن مقالا لديفيد إغناتيوس بصحيفة واشنطن بوست حذّر من استعجل بنعي الحركة التي سيطرت على القطاع الفلسطيني عام 2007.
ولفت إلى أن «حماس» نجحت في تطبيق وقف إطلاق النار في شمال وجنوب القطاع رغم إعلان الجيش الإسرائيلي فقدانها السيطرة على عناصرها جراء عملياته البرية التي بدأها في الـ 27 من الشهر الماضي.
ورأى أن الحركة دفعت إسرائيل إلى قبول الهدنة رغم تعهّد نتنياهو بأنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى تدمير «حماس».
وأشار إلى أن إفراج الحركة عن المحتجزين في الوقت المحدد يعني أنها تسيطر على الرهائن بشكل كامل.
وأكد أن «حماس» مازالت قوية ولا تزال تدير الأمور على المستويين القيادي والإداري.
وبيّن أن الدولة العبرية تواجه معضلة مؤلمة وربما مثيرة للجدل بعد انتهاء الهدنة، وهي تتمثل في كيفية استئناف الحرب لتحقيق هدفها المتمثل في تدمير قوة «حماس» السياسية بعد «فرحة اطلاق سراح الرهائن الجزئية» والأمل في إطلاق المزيد من المحتجزين.
ونقل إغناتيوس عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله، إن «الجيش الإسرائيلي مصمم على الانتقال إلى المرحلة التالية من الحرب والتي ستكون صراعاً عالي الحدة» يتركز بجنوب القطاع المكتظ بنحو 1.7 مليون نسمة من النازحين والسكان.
ورداً على سؤال بشأن احتمال أن يثير هذا الهجوم الإسرائيلي المتجدد انتقادات دولية، أجاب المسؤول الإسرائيلي: «هناك تصميم على أننا لم يعد بإمكاننا العيش مع حكم حماس لغزة».
ونقل عن مسؤول إسرائيلي ثان أن «شبكة أنفاق حماس تحت الأرض أكثر تطوراً مما كنا نعتقد»، وأنه تم اكتشاف وإغلاق ما لا يقل عن 600 فتحة نفق في الشمال وحده.
وشدد على أن الدولة العبرية بمواجهة تحد اقتصادي كبير، بعد أن استدعت نحو 300 ألف جندي احتياطي لخوض الحرب التي تسببت في مقتل 14300 ألف فلسطيني، في وقت لا تزال فرق الإنقاذ تبحث عن المزيد من الضحايا تحت أنقاض آلاف المنازل المهدمة جراء القصف الجوي العنيف.
وجاء ذلك في وقت تتزايد التحذيرات لقادة إسرائيل من إثارة موجة غضب دولية في حال تنفيذ وعيدهم باستئناف القتال الضاري من أجل الضغط على «حماس» لإبرام «اتفاق تبادل أفضل» يجنب سلطات الاحتلال «إفراغ المعتقلات من الفلسطينيين».
من جانب آخر، أفاد مستشارون كبار في الإدارة الأميركية بأن «الحرب في غزة أضرت بمكانة الولايات المتحدة عالمياً.
ونقلت «واشنطن بوست» عنهم قولهم إن «تأثير حرب إسرائيل على غزة في البيت الأبيض أكبر من أي قضية أخرى خلال رئاسة بايدن».
وأشارت إلى أن «20 موظفاً في البيت الأبيض طلبوا لقاء كبار مستشاري بايدن لإجراء مناقشة في شأن غزة».
وأمس الأول، أجرى الرئيس الأميركي اتصالاً هاتفياً بأمير قطر تميم بن حمد بحثا خلاله «تنفيذ اتفاق الهدنة الإنسانية» بغزة والجهود الدولية المشتركة من أجل خفض التوتر والتصعيد وحماية أرواح المدنيين، واحترام القانون الإنساني الدولي، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بالقطاع المحاصر بشكل شبه كامل.