أثبتت دولة قطر الشقيقة مراراً وتكراراً، أن حجم الدول لا يقاس بتاتاً بمساحتها ولا تعداد سكانها، بل إن ثقلها السياسي ودورها الدبلوماسي هو الذي يرفع مكانتها الدولية والإقليمية، هذا الأمر يجب ألا يقتصر على الهدنة الأخيرة التي بدأت صباح الجمعة الماضي لتبادل الأسرى، والتي سأتطرق لها لاحقا، بل منذ بداية الأزمة وتحديداً في دورها (قطر) في إخراج الأسرى الأميركيين الذي أُعلن عنه في مؤتمر صحافي خاص آنذاك.
كنت أيضاً وعلى الصعيد الشخصي في الدوحة أحضر أحد المنتديات العلمية، وفي حضور لفيف من القيادات الحكومية هناك والسفير الأميركي كذلك حين نظرت وشاهدت بأم العين نظرات الامتنان التي حملها لقطر، ومن ثم استمعت إلى خطابه الذي أثنى فيه على القيادة القطرية مراراً وتكراراً، ودورها الريادي في بدايات الحدث.
وهنا وجب التركيز على نقطتين أساسيتين:
أولاهما، أن أحداث «طوفان الأقصى» يجب ألا تكون بمعزل عن سلسلة الأحداث والشد والجذب منذ بدايات النكبة في عام 1948 (بل حتى قبلها) وألا يتم الأخذ بالرواية الغربية، وكأن «الطوفان» حادث معزول نتعامل معه على هذا الأساس.
أما الثانية، فهي إخراج أسرى أميركيين، وإن لم يُخمد نار الغارات على غزة، لكنه جعل من خطوط الدبلوماسية والتراجع أمراً واردا، بل جعل حتى النقاش الأميركي أمراً محتملاً مع كل الأطراف، وهذا الأمر عين الصواب والحكمة بحيث لا يتم تسخيف حجم الولايات المتحدة الأميركية وقدرتها كقوة عظمى كذلك.
وهنا نقف على الهدنة الأخيرة يوم الجمعة الماضي، ونضعها في نصاب يليق بها، والتي عملت عليها دولة قطر مع أطراف مصرية، وقد تكون بجهود عربية أخرى لا نعلمها، بل نذكرها للمصداقية وكي لا نبخس أحداً حقه.
الهدنة أعطت إشارة واضحة تتجلى أمام الجميع أن الكيان الصهيوني الذي حاول على مدى قرابة الخمسين يوما أن يدمر غزة وأن يخرج أسراه، وأن يحفظ ماء وجهه أمام الإعلام الغربي، ليس إلا نمراً من ورق، بل تسميته بالكيان الكرتوني هي الأمر الصحيح.
لقد أدت جهود المقاومة إلى كسر أنف الكيان الكرتوني وقبوله شروط الهدنة كاملة وتبادل الأسرى، وهذا بحد ذاته انتصار للقضية من جهة، وإعلاء لكرامة الشعوب العربية من جهة أخرى لا يقدر بثمن البتة. والأهم من كل هذا هو لمّ شمل الأهالي مع بعض جراء هذا الإجراء الدبلوماسي.
ولا يبقى لدينا إلا أن نقول: رحمة الله على شهداء فلسطين البررة، وأن الضحايا من الأطفال والمدنيين هم شهود على سقوط قناع الإنسانية الغربي الذي أكرر مرة أخرى أنه يجب ألا يكون إلا بنظرة شمولية للقضية الفلسطينية، والذراع والمصالح الغربية المرتبطة بها، وألا تؤخذ مسألة «الطوفان» كحادثة منفصلة دون سلسلة انتهاكات متواصلة أدت إلى ما نحن فيه الآن.
وليعلم كل صهيوني حول العالم أن نهاية القضية لن تكون إلا باسترداد فلسطين كاملة من الماء إلى الماء.
على الهامش:
استعجال الحكومة تطبيق ضريبة المواد الضارة (التبغ) بالون اختبار للقادم من الأيام، إذ إن هناك دولاً خليجية رفضتها (قطر وعمان) كما هو بدهي أن لكل دولة سيادتها وظروفها المالية، فالتسويق بأنه أمر خليجي موحد لا يقبل في ظل نظام سياسي نحن نعيشه تغيب عنه الشفافية المالية.
هامش أخير:
مناقشة موضوع القوائم النسبية واستعجاله في مجلس الأمة الكويتي أمر خطأ يعلمه الجميع، خصوصاً أنه يأتي دون تراتبية واضحة ومعلومة يسبقها إشهار للأحزاب والمكاتب السياسية ومفوضية مستقلة للإشراف على الانتخابات... كل هذا يتطلب عملاً موسعاً، وحتما لا يبدأ بالقوائم النسبية وبهذه الصورة.