تقدّم عدد من أعضاء مجلس الأمة بـ 6 اقترحات بقوانين لتعديل الدوائر الانتخابية، وعدد الأصوات التي يدلي بها الناخب فيها، وفقاً للقانونين 35 لسنة 1962، و42 لسنة 2006، وفي خطورة فكرة تعديل الدوائر وأسلوب التصويت بشكل متعجل، وهو ما يتدافع له الأعضاء، ما يصمها بعوار التحكم والمزاجية في التقسيم، (جيريمندينج - Gerrymandering)، رغم التفاوت بين المقترحات، لكن جميعها يقع في دائرة التخبط والإضرار بالمصلحة الوطنية، وتكريس للمثالب التي يعانيها نظام الدوائر والتصويت فيها لعقود طويلة، إلى جوار أن أغلبيتها تهدف إلى تحقيق مصالح شخصية لمقدميها.
ويمكننا أن نجمل العيوب، التي تشوب جميعها مقترحاً محدداً منها، وتلك التي يشوب بعض منها المقترحات الأخرى:
1- تكريس الاستقطابات القبلية والطائفية والمناطقية والفئوية والعرقية.
2- شراء الأصوات وتبادلها.
3- إخراج نائب الخدمات والارتباط بمصلحة مباشرة بين المرشح والناخب، وإضعاف الدور الإصلاحي المرجو من عضو المجلس.
4- تكريس الترشيح الفردي الذي يهدف إلى تعميق الارتباط الفردي، بعيداً عن البرامج والإنجاز!
5- النجاح بأصوات هزيلة.
6- شرذمة المجتمع وتحويله إلى جزر جغرافية سياسية خطيرة!
7- إشكالية الهجرة الانتخابية ومخاطرها المهدِّدة لوجود البلد.
8- البناء الجغرافي للنظام الانتخابي وفقاً للتقسيم الجغرافي أو التحكمي القائم، وكل تلك التقسيمات جغرافية ومناطقية، بل وتنتهي واقعياً لكونها تقسيمات تحكُّمية - مخيفة - لبنائها على أساس قبلي أو طائفي أو عرقي أو مناطقي، وهو سبب تحوُّل البلد لـ «كونتينات» أو «جُزر» سياسية تهدد وحدة الدولة وتماسكها. والمقترحات الستة هي:
أ- فهناك مقترحان عدّلا فقط على عدد مَن يصوّت لهم الناخب، وهذان التعديلان لا يحملان تغييراً حقيقياً للعيوب والمآخذ التي ترتبط بالنظام الانتخابي، فهما غير مجديين وسيزيدان من العيوب والمآخذ التي صاحبت النظام الانتخابي ولا تزال تشوّهه.
ب - هناك اقتراح يدور في فلك الترشيح الفردي، الذي يهدف إلى تعميق الارتباط الفردي، بل ويبقي جميع العيوب الأخرى، ويساعد على تفاقمها، وهو المقترح الذي يمنح الناخب صوتاً في دائرته الانتخابية و3 أصوات خارجها، والمقترح فيه إمعان في الفردية وحالة من «تقديس للأشخاص»، وهو خطر جداً ومنزلق لن تكون عواقبه إيجابية على النظام الديموقراطي، بل سيكرس الاستقطاب القبلي والطائفي والعائلي والمناطقي والفئوي، على مستوى الكويت برمّتها، بدلاً من كونه عيباً ومأخذاً على مستوى كل دائرة على حدة.
ج- وهناك اقتراح غيّر عدد مَن يمثّل الناخبين على أساس العدد المسجل بكل دائرة (تحت حجة تبنّي التمثيل النسبي العادل)، وهو بعيد عن تحقيق إصلاح وطني حقيقي، لأنّه يكرس النظام الفردي بعيوبه السابقة، بل وسيكرّس بشكل أسوأ الاستقطابات الفئوية القبلية والطائفية والمناطقية والعائلية، بل وحتى العرقية، وسيكون وبالاً لكونه سيزيد في شرذمة المجتمع وتحويله إلى جزر جغرافية سياسية متنافرة، وسيزيد من إشكالية الهجرة الانتخابية ومخاطرها المهددة لوجود البلد.
د- هناك اقترحان آخران - ربما - جزئياً أفضل من المقترحات الأربعة المذكورة أعلاه، لمحاولتهما تقديم نموذج يقوم على أساس فكرتَي «القائمة» و»التمثيل النسبي للنيابة»، لكونه يحاكي أنظمة تحقق تمثيلاً وطنياً، وليس ارتباطاً شخصياً بين المرشح والناخب، وهو مدخل مهم لتحرير العضو مندوباً للخدمات أو عضواً شعبوياً يبحث عن إرضاء الناخبين ودغدغة مشاعرهم، على حساب الوطن ومصلحته العامة والحفاظ على مقدراته المالية والمؤسسية.
ولذا، هما من هذه الجوانب أفضل، لكن لا تزال في كليهما عيوب جسيمة واستمرار للظواهر السابقة التي تفتّت وحدة البلد وتعافيه وضمان وجود إصلاح سياسي برلماني.
ز- كلا المقترحين يكاد يكون متطابقاً، فكلاهما أخذ بنظام القائمة المغلقة وبصوت واحد يمنح للقائمة، التي يجوز لها أن تضمّ عدداً يماثل العدد المطلوب انتخابه بالدائرة (10 مقاعد) أو أقل، وهو نظام ترد عليه ملاحظات كثيرة مقارنة بفضائل نظام القائمة المفتوحة، خصوصاً في الدول التي لا تعرف الأحزاب بشكل كامل، أو تلك التي تأخذ بالأحزاب المتعددة بدلاً من نظام الحزبين الكبيرين!
وكلاهما أخذ بفكرة النجاح النسبي لكل مرشح مقابل كل مقعد، تتمثل بنسبة مئوية هي 10 بالمئة من الأصوات الصحيحة المعطاة بالدائرة.
و- الاختلاف الوحيد بينهما هو أن القائمة في أحدهما حظر على تكوينها أن يكون قبلياً أو طائفياً، وينبغي أن يكون وطنياً، وهذا المقترح أفضل لمواجهة الاستقطاعات الفئوية وتفتيت المجتمع كما هو سائد اليوم، وهو العيب نفسه في المقترحات الأربعة السابقة أعلاه.
لكن ذلك التقييد لا يزال قاصراً، إذًا يبقي إمكانية ظهور أي نوع من التكوين الفئوي أو العرقي أو العائلي أو المناطقي للقائمة، فضلاً عن خطر تكوينها القبلي والطائفي من تلك المداخل، وهو ما لا يحقق المصلحة الوطنية العليا إن كانت هي الغاية.
9- وختاماً، ندعو إلى التروي والأخذ بنظام مشابه للمقترحين الأخيرين اللذين أشرنا إليهما، مع تطعيمهما بفكرة النظام اللاجغرافي، وهو التوجه الذي يتبناه اليوم عدد من الدول، على أن يقترن بنظام عشوائي في تقسيم الدوائر، وفقاً ليوم الميلاد لتكوين الدوائر وتقسيمها، كما سبق أن طرحناه بحوارات مجتمعية، وذلك شريطة أن يُعاد تقسيم الدوائر على هذا الأساس آخر كل 3 أشهر من الفصل التشريعي لمجلس الأمة، أو بعد حلّ المجلس القائم - وقتذاك - في حالة الحل.
ويجب ألّا نغفل ملف الجنسية وتزويرها وازدواجها وما تركته وتتركه من آثار مدمرة في التكوين السياسي للمجتمع.