الزيادات المالية... مسألة أعقد من تصورات السلطتين!
• إقرارها يُبطل حجج طرح «الدَّين العام» ويناقض برنامج عمل الحكومة
• تعقّد ترتيبات «البديل الاستراتيجي»... ولا توافُق على الضريبة الانتقائية
مع تصاعد التوجهات الحكومية النيابية نحو إقرار مجموعة من الزيادات المالية خلال دور الانعقاد الحالي، تبدو المسألة أعقد بكثير مما تتوقعه السلطتان، خصوصاً فيما سوف يترتب على هذه الزيادات المرتبطة بالموظفين والمتقاعدين من تداعياتٍ أقلها الآثار المتوقعة على الميزانية العامة للدولة، بما يتجاوز مليار دينار سنوياً كأعباء تتراكم على المالية العامة لسنوات قادمة.
فتعقيدات إقرار الزيادات المالية تتجاوز عدم فاعليتها أو ربما ضررها، في وقت تصاعد التضخم المحلي بواقع 13.7 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية؛ رغم صرف الدولة مبالغ مالية بحدود 3 مليارات دينار، كلها كانت تحت شعار «تحسين المعيشة»، مثل بيع الإجازات الدورية (مليار دينار)، ووقف استقطاع القروض مرتين (600 مليون)، ومنحة المتقاعدين (600 مليون)، ومكافأة الصفوف الأمامية (700 مليون)، ومع ذلك تصاعد التضخم، وباتت مقاصد تحسين المعيشة منحرفة عن مفهومها وأهدافها.
جلسة الثلاثاء
وبينت جلسة مجلس الأمة يوم الثلاثاء الماضي جانباً من «تعقيدات» الموقف الحكومي - النيابي تجاه الزيادات المالية المرتقبة، ففكرة الحكومة في تمويل جزء من هذه الزيادات من خلال إيرادات فرض الضريبة بنوعيها (الشركات - الانتقائية) ليست فقط غير حصيفة، لأن الضرائب يجب توجيهها نحو بنود الإصلاح الاقتصادي والمالي، كتنويع الإيرادات العامة أو تنمية أصول صندوق الاحتياطي العام، إنما أيضاً في عدم وجود توافق حكومي - نيابي على إقرار الضريبة، خصوصاً الانتقائية، وفي كل الأحوال، فإن الخريطة التشريعية المتفق عليها بين السلطتين تشير إلى أن إقرار قانون زيادة علاوة غلاء المعيشة سيناقش بتاريخ 19 ديسمبر المقبل، أما القانونان اللذان يفترض أن يمولا تكاليف الزيادة، وهما ضريبتا الشركات و«الانتقائية» فمدرجان على جدول أعمال جلسة 19 مارس 2024، أي بعد جلسة زيادة العلاوة الاجتماعية بـ 3 أشهر!
عقدة شرعية
ورغم أن شكوك إقرار قانوني الضريبة تظل مرتفعة في ظل ضعف التوافق النيابي، فإن الضريبة الانتقائية قد تواجه عقدة شرعية لكونها تتعلق بالسلع الضارة، مثل التبغ، فضلاً عن مشروبات الطاقة، إذ تصنّف فتاوى عديدة الأموال المتأتية من تجارة التبغ أموالاً محرّمة، مما يجعل تمويلها للميزانية أمراً شائكاً لمجلسَي الأمة والوزراء.
تقويض المبررات
ولعل تساهل الحكومة في موافقتها على إقرار الزيادات المالية، يقوّض كل حججها لطرح قانون «الدَّين العام»، فلا يستقيم أن البلد بحاجة إلى سيولة نقدية تستوجب الاقتراض - حسب الرأي الحكومي - وفي الوقت ذاته تحمّل مالية الدولة أعباء سنوية تتجاوز مليار دينار، فضلا عن أن أموال أي استدانة يجب أن تتوجه نحو المشاريع، واستهداف النمو الاقتصادي الذي يحقق عوائد مالية واقتصادية ملموسة، وليس لتعظيم بنود المصروفات الجارية، التي يبدو أنها ستتناقض مع كل ما ورد في برنامج عمل الحكومة، خصوصاً تلك المتعلقة بضبط المصروفات العامة وتنمية الإيرادات غير النفطية، وإعادة هيكلة الدعوم.
دون البديل
اللافت أيضاً في مسألة «الزيادات المالية» أنها تأتي بمعزل عما يُعرف بالبديل الاستراتيجي الذي يفترض أن يحتوي توصيفاً جديداً للوظائف والرواتب ومستوى الخدمات، فضلا عن إعادة تنظيم الجهاز الإداري بالدولة، وقد تفضي الزيادات المالية منفردة دون منظور متكامل إلى إعادة طرح زيادات مالية أخرى من بوابة البديل الاستراتيجي، مما يجعل الآثار المالية والتضخمية على الدولة والمستهلك على عكس نوايا من يرغب بتحسين المعيشة.
دور المؤسسات
ولعله من المفيد عند تقييم مسألة تعامل المؤسسات الرسمية مع مقترحات الزيادات المالية أن نذكر بأهمية دور الجهات الاقتصادية في التصدي للمشاريع الشعبوية، ونخص هنا تحديداً محدودية دور وزارة المالية كمدير مالي للدولة عليها أن تكافح لمنع تحميل الخزانة العامة أعباء مالية إضافية ومتراكمة وبيان مخاطر الاستدامة التي تحيط بالبلاد، وغياب دور بنك الكويت المركزي في شرح وتوضيح التحديات التي تواجه اقتصاد البلاد وماليته ومدخراته - وكان لافتاً عدم إصدار البنك لسنتين متتاليتين التقرير الاقتصادي السنوي الذي يستعرض أبرز البيانات والإحصاءات المتاحة حول مختلف جوانب الاداء الاقتصادي لدولة الكويت - فضلا عن الدور المفقود لمؤسسة التأمينات الاجتماعية في بيان مخاطر المشاريع المالية الشعبوية على استدامة صناديق التأمينات وضمان صرف المعاشات التقاعدية.
ربما يجب أن نذكر مجدداً أن الأيام السهلة في سوق النفط باتت من الماضي، وأن الارتفاع في أسعار النفط المدعومة بعوامل استثنائية كخفض الإنتاج وحرب روسيا وأوكرانيا لا تغطي التزامات الكويت السنوية بسعر تعادُل يناهز 93 دولاراً للبرميل، مما يجعل أي رفع في مصروفات الميزانية رفعاً لمخاطر البلاد وقدرتها على تلبية التزاماتها.
فتعقيدات إقرار الزيادات المالية تتجاوز عدم فاعليتها أو ربما ضررها، في وقت تصاعد التضخم المحلي بواقع 13.7 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية؛ رغم صرف الدولة مبالغ مالية بحدود 3 مليارات دينار، كلها كانت تحت شعار «تحسين المعيشة»، مثل بيع الإجازات الدورية (مليار دينار)، ووقف استقطاع القروض مرتين (600 مليون)، ومنحة المتقاعدين (600 مليون)، ومكافأة الصفوف الأمامية (700 مليون)، ومع ذلك تصاعد التضخم، وباتت مقاصد تحسين المعيشة منحرفة عن مفهومها وأهدافها.
جلسة الثلاثاء
وبينت جلسة مجلس الأمة يوم الثلاثاء الماضي جانباً من «تعقيدات» الموقف الحكومي - النيابي تجاه الزيادات المالية المرتقبة، ففكرة الحكومة في تمويل جزء من هذه الزيادات من خلال إيرادات فرض الضريبة بنوعيها (الشركات - الانتقائية) ليست فقط غير حصيفة، لأن الضرائب يجب توجيهها نحو بنود الإصلاح الاقتصادي والمالي، كتنويع الإيرادات العامة أو تنمية أصول صندوق الاحتياطي العام، إنما أيضاً في عدم وجود توافق حكومي - نيابي على إقرار الضريبة، خصوصاً الانتقائية، وفي كل الأحوال، فإن الخريطة التشريعية المتفق عليها بين السلطتين تشير إلى أن إقرار قانون زيادة علاوة غلاء المعيشة سيناقش بتاريخ 19 ديسمبر المقبل، أما القانونان اللذان يفترض أن يمولا تكاليف الزيادة، وهما ضريبتا الشركات و«الانتقائية» فمدرجان على جدول أعمال جلسة 19 مارس 2024، أي بعد جلسة زيادة العلاوة الاجتماعية بـ 3 أشهر!
الدولة صرفت نحو 3 مليارات دينار لتحسين المعيشة... ومع ذلك تصاعد التضخم على المستهلكين!
عقدة شرعية
ورغم أن شكوك إقرار قانوني الضريبة تظل مرتفعة في ظل ضعف التوافق النيابي، فإن الضريبة الانتقائية قد تواجه عقدة شرعية لكونها تتعلق بالسلع الضارة، مثل التبغ، فضلاً عن مشروبات الطاقة، إذ تصنّف فتاوى عديدة الأموال المتأتية من تجارة التبغ أموالاً محرّمة، مما يجعل تمويلها للميزانية أمراً شائكاً لمجلسَي الأمة والوزراء.
تقويض المبررات
ولعل تساهل الحكومة في موافقتها على إقرار الزيادات المالية، يقوّض كل حججها لطرح قانون «الدَّين العام»، فلا يستقيم أن البلد بحاجة إلى سيولة نقدية تستوجب الاقتراض - حسب الرأي الحكومي - وفي الوقت ذاته تحمّل مالية الدولة أعباء سنوية تتجاوز مليار دينار، فضلا عن أن أموال أي استدانة يجب أن تتوجه نحو المشاريع، واستهداف النمو الاقتصادي الذي يحقق عوائد مالية واقتصادية ملموسة، وليس لتعظيم بنود المصروفات الجارية، التي يبدو أنها ستتناقض مع كل ما ورد في برنامج عمل الحكومة، خصوصاً تلك المتعلقة بضبط المصروفات العامة وتنمية الإيرادات غير النفطية، وإعادة هيكلة الدعوم.
من اللافت عدم إصدار «المركزي» سنتين متتاليتين التقرير الاقتصادي الذي يستعرض أبرز البيانات والإحصاءات بالبلاد
دون البديل
اللافت أيضاً في مسألة «الزيادات المالية» أنها تأتي بمعزل عما يُعرف بالبديل الاستراتيجي الذي يفترض أن يحتوي توصيفاً جديداً للوظائف والرواتب ومستوى الخدمات، فضلا عن إعادة تنظيم الجهاز الإداري بالدولة، وقد تفضي الزيادات المالية منفردة دون منظور متكامل إلى إعادة طرح زيادات مالية أخرى من بوابة البديل الاستراتيجي، مما يجعل الآثار المالية والتضخمية على الدولة والمستهلك على عكس نوايا من يرغب بتحسين المعيشة.
من المهم أن تتصدى المؤسسات الرسمية الاقتصادية كوزارة المالية و«المركزي» و«التأمينات» للمشاريع الشعبوية
دور المؤسسات
ولعله من المفيد عند تقييم مسألة تعامل المؤسسات الرسمية مع مقترحات الزيادات المالية أن نذكر بأهمية دور الجهات الاقتصادية في التصدي للمشاريع الشعبوية، ونخص هنا تحديداً محدودية دور وزارة المالية كمدير مالي للدولة عليها أن تكافح لمنع تحميل الخزانة العامة أعباء مالية إضافية ومتراكمة وبيان مخاطر الاستدامة التي تحيط بالبلاد، وغياب دور بنك الكويت المركزي في شرح وتوضيح التحديات التي تواجه اقتصاد البلاد وماليته ومدخراته - وكان لافتاً عدم إصدار البنك لسنتين متتاليتين التقرير الاقتصادي السنوي الذي يستعرض أبرز البيانات والإحصاءات المتاحة حول مختلف جوانب الاداء الاقتصادي لدولة الكويت - فضلا عن الدور المفقود لمؤسسة التأمينات الاجتماعية في بيان مخاطر المشاريع المالية الشعبوية على استدامة صناديق التأمينات وضمان صرف المعاشات التقاعدية.
أيام النفط السهلةالضريبة الانتقائية قد تواجه عقدة شرعية لكونها تموّل الميزانية من أنشطة محرّمة
ربما يجب أن نذكر مجدداً أن الأيام السهلة في سوق النفط باتت من الماضي، وأن الارتفاع في أسعار النفط المدعومة بعوامل استثنائية كخفض الإنتاج وحرب روسيا وأوكرانيا لا تغطي التزامات الكويت السنوية بسعر تعادُل يناهز 93 دولاراً للبرميل، مما يجعل أي رفع في مصروفات الميزانية رفعاً لمخاطر البلاد وقدرتها على تلبية التزاماتها.