عشية انتهاء أول تمديد للهدنة الإنسانية بين إسرائيل و«حماس»، برزت مؤشرات على إمكانية تمديدها للمرة الثانية، بعد إعطاء الحركة الفلسطينية الضوء الأخضر لمدها 4 أيام، وكشف تقارير عبرية عن انفتاح إسرائيلي بشأن مدها حتى 10 أيام، بالتزامن مع تواصل محادثات تستضيفها قطر بمشاركة رئيس الوزراء محمد عبدالرحمن آل ثاني، ومدير جهاز المخابرات المصرية عباس كامل، ومدير جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» دافيد برنياع، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه» ويليام بيرنز، بشأن التوصل إلى اتفاق أوسع قد يشمل تفاهما بشأن هدنة «طويلة الأمد».

وفي وقت بدا أن مسار تمديد الهدنة، التي وضعت حداً مؤقتاً للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، يتماسك يوماً بعد يوم، ظل أمل وقف إطلاق النار بصفة دائمة مستبعداً في الأجل المنظور، نتيجة خلافات بشأن توسيع صفقة تبادل المحتجزين، بين «حماس» وسلطات الاحتلال، التي رافقت أيام الهدنة الـ6، واقتصرت على إطلاق سراح النساء والأطفال من الجانبين فقط، إضافة إلى معارضة الجناح اليميني المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو لوقف القتال قبل إنهاء حكم الحركة الإسلامية للقطاع الفلسطيني.

Ad

وأمس، أفاد مصدر مطلع بأن الحركة المسيطرة على غزة منذ 2007 «أبلغت الوسطاء بموافقة المقاومة على تمديد الهدنة، التي تنتهي في السابعة صباح اليوم، لأربعة أيام» جديدة بعد تمديدها يومين، مضيفاً أن «لدى الحركة ما يمكنها من إطلاق سراح أسرى إسرائيليين محتجزين لديها ولدى فصائل المقاومة وجهات مختلفة خلال هذه الفترة ضمن الآلية المتبعة ونفس الشروط».

في موازاة ذلك، نقلت تقارير عبرية، عن مصدر دبلوماسي رفيع، أن المفاوضات بشأن تمديد الهدنة المؤقتة «لم تتضمن النظر في مقترحات لأكثر من 10 أيام»، لكنه أشار إلى أن إسرائيل قد تكون منفتحة على الفكرة في حال وجود عرض جدي بمجرد الانتهاء من إطلاق سراح كل الأطفال والنساء المختطفين بالقطاع المحاصر.

وبحسب قناة 13 الإسرائيلية، فإن إسرائيل «مهتمة بتمديد ترتيبات الهدنة الحالية، لإخراج 30 رهينة أخرى على الأقل». في المقابل، شدد القيادي في «حماس» أسامة حمدان على أن التفاوض حول العسكريين سيكون مرهوناً بوقف الحرب.

عرض ومعارضة

وفي حين أفادت مصادر لشبكة «سي إن إن» بأن مدير وكالة المخابرات المركزية طرح خلال مفاوضات الدوحة توسيع فئة الرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم في النهاية إلى رجال وجنود، كما جرت محادثات تتعلق بإخراج جثث القتلى على يد «حماس» من غزة، كشفت هيئة البث العبرية الرسمية أن الوفد الإسرائيلي، برئاسة مدير «الموساد»، عرض خلال محادثات الدوحة مقترحاً لوقف طويل لإطلاق النار، لكن وفق شروط محددة.

وبالتزامن مع الكشف عن عرض «الهدنة طويلة الأمد»، التي يبدو أنها تأتي كاستجابة لضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لاحتواء الحرب ومنع توسعها إقليمياً لتشمل خاصة «حزب الله» اللبناني، إضافة إلى العمل على منع تدهور الوضع إلى كارثة إنسانية في القطاع الفلسطيني، هدد وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير بحل الحكومة الإسرائيلية في حال التوصل إلى وقف شامل للحرب.

وطفت الخلافات بشأن غزة بشكل يهز أركان حكومة نتنياهو ويهدد بتصدعها، مع تزايد الدعوات الغربية والدولية إلى وقف شامل لإطلاق النار في ضوء الهدنة المؤقتة، بينما تشتعل جذوة التحدي من قبل بن غفير، حيث أعلنها بكل صراحة وبلا مواربة بأنه سيحل الحكومة في حال لم يستأنف القتال الهادف إلى تحطيم قدرات «حماس» السلطوية والعسكرية في القطاع.

كما طرح وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، ورقة اعتراض وصفت وقف الحرب مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة وعددهم نحو 160، بينهم العديد من العسكريين، بـ«خطة للقضاء على إسرائيل»، مؤكدا سموتريتش «التمسك باستمرار جهود القضاء على حماس».

ووجه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك صفعة سياسية إلى نتنياهو، حيث أكد أن حكومته غير قادرة على قيادة البلد العبري خلال الحرب، وأنه يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية دون نتنياهو واليمين المتطرف.

ومع تصاعد المواجهة بين معسكر مؤيد لمواصلة الحرب بـ«أي ثمن» وآخر يدعو إلى صفقة تبادل أسرى تنهي القتال، سارع نتنياهو إلى نفي صحة أي تقرير عن التوصل إلى اتفاق يتضمن وقف الحرب.

كما شدد متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية على أنها ستواصل الضغط عسكرياً على حماس للإفراج عن مزيد من الرهائن عندما تتوقف عن ذلك.

قائمة وسابقة

وتزامن ذلك مع تسلم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائمة تضم أسماء 10 محتجزين إسرائيليين وروسيتين اثنتين ستطلق «حماس» سراحهم ضمن الدفعة السادسة للتبادل، مقابل إفراج سلطات الاحتلال عن 30 من النساء والأطفال الفلسطينيين.

في المقابل، احتوت القائمة السادسة من الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم، ليل الأربعاء، على أسماء من فلسطينيي 48 الذين يعيشون داخل إسرائيل، وذلك للمرة الأولى منذ بدء تبادل الأسرى، الجمعة الماضية.

وأوضح عضو المكتب السياسي لـ«حماس» موسى أبو مرزوق أنه سيتم الإفراج عن أسيرين اثنين من أصل روسي خارج بنود الصفقة، تقديرا لمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويبلغ إجمالي عدد الرهائن الذين أطلقت «حماس» سراحهم منذ بدء الهدنة، الجمعة، 81، هم 60 من النساء والأطفال الإسرائيليين و21 من المواطنين الأجانب، بينما أطلقت إسرائيل بموجب الهدنة حتى الآن سراح 180 فلسطينيا.

بايدن والحرب

وفي موقف لافت من البيت الأبيض، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن استمرار الحرب في غزة «هو بالضبط ما تريده حماس»، وهو عدم رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين يعيشون جنباً إلى جنب في سلام.

وقال بايدن، عبر موقع «إكس»، «لقد شنت حماس هجوماً إرهابياً لأنها لا تخشى شيئاً أكثر من أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب في سلام»، مضيفا أن «الاستمرار في السير على طريق الإرهاب والعنف والقتل والحرب هو بمنزلة إعطاء حماس ما تسعى إليه... لا يمكننا أن نفعل ذلك».

وأفاد البيت الأبيض بأن واشنطن تعمل على إمكانية تمديد الهدنة الحالية.

من جهته، أشار وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إلى أن واشنطن ستركز على بذل الجهود من أجل تمديد الهدنة خلال جولته المرتقبة للمنطقة التي ستشمل إسرائيل والضفة الغربية والإمارات.

ولفت إلى أنه يود أن يرى الهدنة تستمر، «لأنها مكنتنا من إطلاق سراح الرهائن وإيصال المزيد من المساعدات لغزة»، مبينا أنه سيناقش مع إسرائيل كيفية تحقيق أهدافها لمنع تكرار ما حدث في 7 أكتوبر الماضي، في إشارة إلى هجوم «حماس» غير المسبوق الذي تسبب في مقتل 1200 وإصابة أكثر من 5000 وأسر نحو 242.

واختتم بالتأكيد على مواصلة واشنطن جهودها للحد من عدد الضحايا بين الفلسطينيين وتخفيف معاناتهم وتسهيل مغادرة الأجانب غزة، لافتا إلى أن اجتماعا لحلف «الناتو» شمل مباحثات بشأن غزة.

خرق الهدنة

ميدانياً، أطلقت زوارق حربية إسرائيلية عدداً من القذائف على ساحل خان يونس والشاطئ والشيخ رضوان بقطاع غزة، في خرق جديد للهدنة، لكن لم يجرِ الإبلاغ عن وقوع إصابات.

وكانت قوات إسرائيلية قد استهدفت، في اليوم الأول من الهدنة، مجموعة من المواطنين أثناء محاولتهم العودة من جنوب القطاع إلى شماله، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وإصابة آخرين.

من جانب آخر، حذرت منظمة غوث وتشغيل الفلسطينيين «الأونروا» من أن غزة تحولت إلى مدينة أشباح، بسبب الغارات الجوية والعمليات البرية الإسرائيلية التي تسببت في مقتل 15200 فلسطيني، 75% منهم من الأطفال والنساء منذ بدء الحرب في السابع من الشهر الماضي.

كما أعلنت منظمة الصحة العالمية ارتفاع الإصابة بالأمراض في القطاع الفلسطيني بسبب نقص المياه النظيفة وتضرر البنى التحتية، ووصفت المساعدات التي تدخل إلى غزة مع تمديد الهدنة بأنها «قطرة في محيط»، مشيرة إلى أن «الإجراءات الإسرائيلية أعاقت دخول كميات كافية من المواد الطبية والأساسية».

في السياق، دعا الاتحاد الأوروبي سلطات الاحتلال إلى فتح المعابر البرية لتسهيل دخول المساعدات إلى غزة.

من جانبه، تحدث رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ضياء رشوان عن إدخال ما يقدر بـ 2973 طنا من المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح المصري ليل الثلاثاء الأربعاء.

وذكر أن حجم المساعدات المقدمة للقطاع من المواد الغذائية، منذ بدء السماح بإدخالها، يقدر بـ 11972 طنا، ومن المياه 9111 طنا، فضلا عن 127 قطعة من الخيام والمشمعات.

حرب جنين

على جبهة أخرى، اقتحمت قوات إسرائيلية كبيرة مدينة ومخيم جنين، وخاضت اشتباكات دامية مع عدد من المسلحين خلال ملاحقتها قائد كتيبة «سرايا القدس»، الجناح العسكري لـ«الجهاد الإسلامي»، محمد الزبيدي.

وذكر بيان مشترك للجيش الإسرائيلي و«الشاباك» أنه تم اغتيال قائدين بارزين في مخيم جنين أحدهما قائد «كتيبة جنين».

وأسفرت المواجهات عن دمار واسع في مخيم جنين بالإضافة إلى إصابة العشرات بالرصاص الحي، بينما تداول نشطاء فيديو قالوا إنه يظهر مقتل طفلين قنصا برصاص إسرائيلي خلال صدامات بالمنطقة المضطربة منذ بدء حرب غزة. وبذلك يرتفع عدد القتلى في الضفة الغربية المحتلة منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» إلى 260 فلسطينيا.

من جهة ثانية، اقتحم مستوطنون المسجد الأقصى في مدينة القدس، بينما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن لا دولة في غزة ولا دولة دونها، مبينا أن القطاع يتعرض لتهديد وجودي واستهداف متعمد ومنهجي للمدنيين وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكبها القوات الإسرائيلية.