رياح وأوتاد: دروس غزة وفرحتها بعودة الأسرى
ذكّرتني مشاهد فرحة عودة الأسرى الفلسطينيين إلى أهلهم بعودتي من الأسر العراقي، خصوصاً مشهد الأم التي رأت ابنها لأول مرة بعد عشرين سنة فضمته إلى صدرها ودموع الفرح تنهمر من عينيها وانهار هو على الأرض يقبل قدميها، وكذلك مشاهد الإخوة والأخوات والأبناء والأطفال فرحين بعودة أسراهم في منظر مهيب أعادني بالذاكرة إلى فرحة عودتنا من الأسر الذي كان أكثر ما يقلقنا فيه هو خوفنا على أمهاتنا وأطفالنا، ففرحت لفرحهم وترحمت على شهداء غزة الذين ذكرونا بشهداء الكويت.
وإذا كانت معاناتنا لم تدم أكثر من سبعة أشهر، فإن معاناة أهل غزة استمرت سبعة عشر عاماً وما زالت مستمرة، قدموا فيها الشهداء والأسرى، وعانوا فيها الجوع والعطش والبطالة وضيق العيش وقهر الرجال وهدم البيوت وبطش الصهاينة، ولكنهم صمدوا بفضل الله.
الواقع المؤسف الذي يجب الاعتراف به هو أن الصهاينة منذ أن اغتصبوا فلسطين قاموا بإنشاء قوة ضاربة وقنابل نووية ومصانع أسلحة متقدمة وجامعات معروفة، وكذلك فعلت الصين في الفترة نفسها، وصنعت إيران خلال أربعين عاماً قوة احتلت بها أربع عواصم عربية، ولكن السؤال: ماذا فعلت الدول العربية غير الفشل والضعف وكلها تزيد أعمارها على عمر إسرائيل والثورتين الصينية والإيرانية؟
إن الضعف الذي تعيشه دولنا العربية ذكرني بفيديو منشور للشيخ ابن باز عن تسلط اليهود على الفلسطينيين وغيرهم، إذ يقول «واجب على الدول الإسلامية أن ينصروا الحق ويساعدوا المسلمين في كل مكان، ولكن هل يستطيعون وهم على هذه الحالة متفرقون؟ لا يستطيعون إلا باجتماع وصدق وتعاون، هذا التفرق وعدم تحكيم الشريعة من أكثرهم هو البلاء العظيم الذي جعلهم يتفرقون، فلو صدقوا الله وتمسكوا بشريعته لنصرهم الله ولهابهم عدوهم. حتى الأميركان والروس لو تجمع المسلمون وصدقوا لأعطوهم حقوقهم، ولكن هذا التفرق وهذا البلاء هو سبب احتقارهم وسبب تسليط الأعداء عليهم وهم آثمون بهذا التفرق». صدق ابن باز، رحمه الله، وها هي الدول العربية ازدادت تفرقاً وضعفاً فركض أكثرهم نحو التطبيع والسلام المزعوم، ونسوا قول الله تعالى «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ».
صمود أهل غزة وأسراهم فيه كثير من الدروس وكشف الكثير من عورات الآخرين.