نظمت اللجنة الثقافية في قسم اللغة العربية وآدابها ندوة بعنوان «آفاق الثقافة والتنوير في الكويت»، في المسرح الجنوبي لكلية الآداب جامعة الكويت، وتحدث خلالها الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الأسبق د. خليفة الوقيان، والأمين العام للمجلس الوطني الأسبق د. سليمان العسكري، والأستاذ بجامعة الكويت سابقا د. سليمان الشطي، وأدار المحاضرة د. نورية الرومي.

وقال د. الوقيان، في كلمته، «إن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ بداية نشأته وهو يعنى بتعزيز الثقافة في الكويت، لا سيما أن الكويت والثقافة صنوان أو توأمان، فمنذ وجدت الكويت وجدت الثقافة، كما أن التاريخ الثقافي في الكويت أسبق من التاريخ السياسي، ولذلك فإن علينا أن نستفيد من الواقع الثقافي المبكر بالكويت، واهتمام الكويتيين الأوائل بالثقافة في جهود مبكرة، ومنها تفكيرهم في تطوير التعليم وإنشاء المؤسسات الثقافية الأهلية منذ عام 1911، حيث تم إنشاء مدرسة المباركية كهدف ثقافي، ولمخالفة الأساليب التقليدية في التعليم».

Ad

وأضاف أن إنشاء المدرسة في ذلك الوقت كان حلما هدفه الاهتمام بالثقافة، ولكن فشلت المحاولة في إدخال المناهج الثقافية، لتنشأ المدرسة الأحمدية وتحقق نقلة نوعية في التعليم والثقافة الكويتية في ذلك الوقت، حيث نجحت في إدخال النشاط الثقافي للمناهج التعليمية بالكويت، وبدأ المسرح المدرسي كباكورة الانتقال إلى إنشاء المؤسسات الثقافية حتى أنشئت الجمعية الخيرية الأولى عام 1913، والتي ضمت مكتبة من تبرعات الناس أصحاب الكتب، وفي عام 1922 تم إنشاء المكتبة الأهلية، وكانت موقعا للحوار لكل القضايا التي تهم تطوير المجتمع، وهو ذات الوقت الذي نشات فيه المعارضة لإنشاء النوادي، فاحتال الكويتيون على هذا الجدال بإنشاء المكتبة عام 1924، وتم إنشاء النادي الأدبي وكان نقلة نوعية حتى أن تأثيره وصل للخليج.

وأفاد د. الوقيان بأن النشاط الثقافي كان مبعثرا بين عدد من الجهات، كالمعارف، وزارة الاعلام ووزارة الشؤون، ولذلك اشتدت مطالب الفنانين وكثر الحاحهم على المسؤولين لتشكيل لجنة من نخبة المثقفين في الكويت لتطوير الفكرة والمطالبة بجهاز ثقافي، وهنا جاء إنشاء المجلس الوطني عام 1973، وكان يعتقد الفنانون أن المجلس يتوقف دوره عند حد المطالبة والاقتراح بحقوق الفنانين، حتى تطور ذلك إلى وضعه تصورا ثقافيا بالاستفادة من المفكرين العرب الذين كانوا موجودين بالكويت آنذاك، سواء أساتذة الجامعة أو غيرهم، ولكن فكرة التكويت تسببت في حرمان الكويت من عدم الاستفادة من خبرات عديدة موجودة بالكويت، مؤكدا أنه لولا أسماء مثل فؤاد زكريا وشاكر مصطفى لما كانت الثقافة الكويتية بهذا المستوى، إلى جانب الكويتيين الرواد مثل عبدالله الغنيم.

وأكد الوقيان أن «المجلس الوطني أصبح منارة ثقافية، ومشروعاته نجحت في تطوير الواقع الثقافي بالكويت، وخاصة في ظل استقلاليته، حيث إن الأمانة العامة لمجلس الوزراء كانت تعتقد أنها مسؤولة عن المجلس، وكنا نرد عليهم بأن العلاقة بيننا جغرافية، وبعد جهد جهيد اقتنعوا بأن المجلس جهة مستقلة»، موضحا أن الجهات الأصولية كانت تحارب المجلس وفقا لتشكيلة مجلسه، ولكن القوة الناعمة للفنون والثقافة والآداب تم استغلالها جيدا لترسيخ الثقافة بالكويت، خاصة أن الكويت بلد صغير، وأسس لها الأوائل أرضية ثقافية، لذلك يجب على المسؤولين إدراك أهمية هذه القوة الناعمة في التأثير بالشعوب.

واستطرد: «إصدارات المجلس ذات طابع تنويري واصلاحي، ولكنها لم تهمل الجانب التراثي، مثل عالم المعرفة، والذي لا يضاهيه أي مطبوعة عربية، وعالم الفكر أيضا، كما راعى المجلس الوطني جانب حفظ كرامة الكاتب والمؤلف، كما تم الاهتمام بالأطفال ومراسمهم التي أدت إلى اكتشاف مواهب فذة، ثم انطلق معرض الكتاب الأول عام 1975، وكان تحديا كبيرا، ولكنه استمر حتى اليوم الذي نواكب فيه فعاليات النسخة الـ 46 من المعرض».

ولفت إلى أنه للأسف لا يوجد أي منافذ بيع لمنشورات المجلس حاليا، لأن كل الجهود السابقة أهملت، كما كان هناك مشروع لإقامة الحي الثقافي في مقابل سوق شرق خلف دواوين الكويت، بهدف عرض الكتب والمشغولات الفنية وكل ما له علاقة بالثقافة والفنون، ولكنه لم يتم تخصيص المخصصات المطلوبة للمشروع.

إزالة المدرسة المباركية

وفي كلمته، قال د. سليمان العسكري إن «نقل المكتبات العامة من وزارة التربية للمجلس الوطني كان اقتراحا من يعقوب الغنيم عندما كان وزيرا للتربية، وكانت المكتبات تابعة للتربية، عندما كانت الأخيرة ترعى الثقافة في الكويت، وكان لكل منطقة سكنية مكتبة عامة، ثم نقلت المكتبات للمجلس الوطني في ظل عناصر محدودة بالبداية، وكان هناك تخوف من الأعباء وتكاليف الإشراف على المكتبات العامة، كما كانت هناك مكتبة مركزية تشرف على المكتبات العامة في التزويد والكتب وغيرها، كان مقرها في مدرسة المثنى، شارع فهد السالم، ثم نقلنا المكتبة المركزية لمدرسة حولي».

واستطرد: «صدر قرار لإزالة المدرسة المباركية لأنها كانت متهالكة وقتها ومهجورة، فشكلنا لجنة من مهندسين من الأشغال، فحصوا الجزء المتشقق وقرروا انه ليست له علاقة بالمبنى الاصلي، ويمكن تدعيمه بسهولة، وأقنعنا الأشغال تأجيل الإزالة ودعم المبنى، واقترح المجلس الوطني أن تخصص المدرسة للمكتبة المركزية، وبالفعل وافق مجلس الوزراء، ومن هنا جاءت فكرة المكتبة الوطنية، فرفعت مذكرة باقتراح إنشاء مكتبة وطنية في يناير 1985».

وتابع: «في فبراير كانت الانتخابات وتشكلت وزارة جديدة وتم اهمال الاقتراح إلى أن جاء الغزو وانتقلنا بعد التحرير إلى اعادة بناء المجلس الوطني وتجمعت كل العناصر الكويتية الشابة وصاحبة الخبرات لاعادة تحريك مشروعات المجلس حتى أقمنا معرض الكتاب في فبراير 1991، وكانت عالم المعرفة في ذلك الوقت إلى أن توليت إعادة إصدارها في المركز الاعلامي الذي أسسناه بالقاهرة، بالتعاون مع د. فؤاد زكريا، ثم استلمت الامانة العامة بالوكالة عام 1993 وثبت عام 1994».

وأكد أن «أهم المشروعات التي حظيت بالاولوية في ذلك الوقت كان مشروع مكتبة الكويت الوطنية، في ظل دعم ومساندة من المرحوم الشيخ سعود الصباح الذي كان وزير الاعلام، ثم انطلقت فكرة مهرجان القرين الثقافي، وبالفعل بحثنا الكثير من المشروعات التي لم يسعفنا الوقت قبل الغزو على تنفيذها، وأعدنا إحياءها وحركنا مجموعة منها حتى عام 1994، حيث صدر مرسوم المكتبة، وقال سمو الأمير وقتها إن المكتبة الوطنية ليست مكتبة للقراءة فقط بل هي المخزن الذي يحفظ تراث اي امة، وكل ما يتعلق بحركة وإنتاج المجتمع يحفظ بهذه المكتبة».

من جانبه، تحدث د. سليمان الشطي عن مؤلف النشيد الوطني الكويتي الشاعر أحمد العدواني كواحد من الرواد الذين لا يغادرون الأرض إلا بعد غرس أعمدة التقدم ونصب منائر للطريق، مضيفا: «الحديث عنه متسع، العدواني محيط فكري، الدور الأول تربوي فكان العدواني المربي، ثم العدواني المثقِف ثم العدواني الشاعر، وقد بدأ يدرسنا عام 1949 ولم يتوقف عند هذا الحد بل عمل على تطوير العملية التعليمية وأصبح يكتب الكتب الكويتية لأول مرة، فالكتب السابقة كانت من الدول العربية، وكانت عالية بجودتها لكنها تفتقر للجانب المحلي، فكان لابد من إيجاد كتب تخدم هذا الجانب، وتعالج غربة المناهج عن البيئة الكويتية من خلال تضمينها جوانب تخص الكويت».

وأوضح ألشطي أن العدواني نشر 20 قصيدة من قصائده في البعثة، وكتب القصص، والمذكرات، وألف مسرحية «مهزلة بمهزلة»، وهي أول مسرحية شعرية، فالعدواني لا يعرف التوقف، فقد اشترك في تأسيس نادي المعلمين، وعندما انشئت الرابطة الأدبية 1958 كان أحد أعضائها العاملين، وانتقل في الستينيات الى الاعلام أو الإرشاد بهذا الوقت، ووجد بذرة ثقافية في الاعلام، ففكر في رفع مستوى المعهدين للموسيقى والفنون المسرحية إلى أن يصبحا معاهد عالية بمستوى جامعي وتم إنشاء المعهدين.

وأردف: «كما أسس العدواني سلسلة روائع من المسرح العالمي 1969، وهي السلسلة العربية الوحيدة التي عاشت 53 سنة، كما فكر في مشروع مجلة عالم الفكر عام 1970، وهي مجلة متفردة ومتخصصة بالثقافة، حتى انه من افتتاحية المجلة ركز على كلمات حرية الفكر، والمعرفة والحقيقة، وأن الحكم هو القارئ الواعي، وأن حرية الكاتب هي حرية المجلة، وحوار الأفكار، وأن الحقيقة نصل اليها من خلال الأفكار شرط التقدم في إطلاق الفكر العربي ليتعامل مع الحضارة الحديثة، وأنه لا وصاية على الفكر، اقتداء بالتاريخ العربي الحضاري وانفتاحه».