لماذا تأتي الاستجوبات خاوية؟
جاء الاستجواب الأخير شبه خاوٍ ولم يحظ بقبول شعبي ونيابي، وهنا سنقارب السبب العميق لذلك، فالمذهل وما يبعث على اليأس والاستغراب في الكويت هو تجاهل الحكومة قضايا ذات خطورة لأنها تمس إما أرواح الناس في الصميم، وإما أنها ذات علاقة وثيقة بأخص مصالح الناس وضروراتهم الحياتية كالصحة والسكن والتعليم، إذ يعدّ تجاوزها مؤذناً بتفعيل حِراكهم الحضاري الذي كان متميزاً في الماضي القريب، وبالتالي استقرار حياتهم ورفاهيتها!
لن أرهقكم بالخوض في لجة التنظير، ولكن سألتقط مشكلة في منتهى الوضوح والانكشافية، إنها مشكلة عدم التقيد بقواعد المرور من مثل عدم الالتزام بالسرعات في الشوارع، ووضع حزام الأمان، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، وعدم الالتزام بخطوط أماكن ركن السيارات في المواقف، وإقدام الشباب على تغييرات أجزاء المركبات بحيث تصدر أصواتا مزعجة ومخيفة، فضلا عن عدم التقيد بدرجة تعتيم الزجاج المسموح بها.
هذه أمور يمكن إنهاؤها خلال شهر بتفعيل وتركيب الكاميرات، ومصادرة أي مركبة تم تغيير مواصفاتها لتصدر أصوات مزعجة أو غيرها، على أن يكون هناك جهد منظم ومؤسسي مستمر لا شن حملة مؤقتة فقط ترجع بعدها الأمور تدريجيا لما كانت عليه.
هذه عيّنة من تعامل الحكومة مع قضية تمس أرواح الناس وراحتهم تشعر معها أنها غير داخلة في انشغالاتها وغير مُنهمَّة (من الهَم) بها مع أن معالجتها والقضاء عليها كلياً في منتهى السهولة وتقع في المقدور في بلد محدود المساحة وعدد السكان والمساحة المأهولة بالسكان متقاربة، وتشغل 10% من المساحة الكلية.
والذي يزيد الاستغراب أنه لا توجد مصالح متضاربة في القضاء عليها، بل هي محل إجماع، والكل متضرر منها، ويعاني استمرارها لكن الحكومة تصم حواسها الخمس عن هذه القضية بكل مظاهرها، في حين نجد في المملكة العربية السعودية تطبيقاً منظماً لأمن المرور حشدت له كل أسباب الفعالية والنجاح منهية فوضى الشوارع وكل مظاهر استهتار الشباب، مع اختلاف المساحات المسكونة واختلاف التضاريس وضخامة عدد السكان إلى درجة أنك عندما تدخل حدود الدولة بسيارتك أول ما تنزعه عن نفسك هو الشعور بالاستهتار وتجاهل تعليمات المرور، فحركتك مرصودة بدقة بكاميرات ذكية ترصد كل شيء حتى لو استعملت الهاتف أو انشغلت بمسباحك أو وضعت ورقة على (الطبلوم) ناهيك عن حزام الأمان أو زيادة السرعة عن المسموح بمقدار شعرة.
هذه الصرامة وهذا التحديد القاطع والتوصيف الكاشف الواضح لدى السائقين ورجال الأمن حدد مسطرة يعرف معها الجميع أي انحراف ودرجته وقياسه، وبالتالي تتحدد معه درجة العقوبة والمخالفة بشكل دقيق وفوري.
إلى هنا أُذكركم أنني لست أقصد أن أتناول مشكلة بعينها كمشكلة المرور وفوضى القيادة ووفيات الحوادث، أبداً ليس هذا ما أريد، إنما أريد أن أزيح اللثام عن نهج غريب هو سبب معاناتنا وتراجعنا على كل الصعد، إنه عدم وجود مسطرة يقيس بها الوعي العام درجة تحقيق الحكومة أهدافا وضعها المجتمع، ودرجة انحرافها عن هذا التحقيق، وبناء المحاسبة على أساس هذه المسطرة، وبالتالي الانعتاق من الارتهان لأضاليل منصات التشويش المأجورة من الأطراف المتصارعة، والذي تذوب معه كل المساطر والحدود والمعايير، ويدخل الجميع في غياهب حفلة زار، حيث الغيبوبة والانجذاب الى اللا معقول الذي يعقبه الانقذاف الطوعي في ثقب أسود لا ندري نهايته.
أخيراً هذا يعيد إلى وعينا مركزية برنامج عمل الحكومة الذي فرض الدستور على الحكومة تقديمه فور تشكيلها.