صعّد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الوحشي على قطاع غزة الفلسطيني، وركز قصفه على مناطق الجنوب، أمس، ونشر خريطة «تفتّت» عملياً القطاع إلى وحدات سكنية صغيرة، وذلك في اليوم الثاني من انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعاً بين تل أبيب و«حماس»، وسمحت بإطلاق سراح 108 إسرائيليين وأجانب محتجزين بغزة، مقابل الإفراج عن 270 فلسطينياً من سجون إسرائيل.

ومع عودة غزة إلى إحصاء ضحاياها، ذكرت السلطات الصحية الفلسطينية أن عدد القتلى جراء القصف الإسرائيلي ارتفع منذ صباح الجمعة إلى 240، والجرحى إلى نحو 650، في حين أشارت معلومات إلى أن منطقة خان يونس (جنوب القطاع) تستعد لمعركة طاحنة، لعزلها عن رفح في أقصى الجنوب، وذلك بعد تعرّضها لقصف إسرائيلي جنوني.

Ad

وفي وقت حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن الحرب قد تستمر 10 سنوات، في حال أصرت على هدفها بالقضاء على «حماس»، قال الجيش الإسرائيلي إن «الحرب ستكون مفتوحة، ولن تكون محددة بوقت»، مضيفاً أن «الحركة ما زالت تحتفظ بقدرات محددة».

سياسياً، تعرّضت جهود الوساطة للعودة إلى الهدنة لنكسة، مع مغادرة الوفد التفاوضي الإسرائيلي العاصمة القطرية بطلب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وفي حين حذّر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، من أن «الهجوم الإسرائيلي على جنوب غزة قد يدفع مليون لاجئ إلى الحدود المصرية»، أكدت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، خلال لقائها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في دبي، على هامش مؤتمر «كوب 28»، أن واشنطن لن تسمح بإعادة رسم الحدود في غزة أو بالتهجير القسري لسكان القطاع.

وفيما عادت المواجهات إلى جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل، وإن بوتيرة منخفضة قياساً إلى الأيام الأخيرة التي سبقت الهدنة، قُتل مستشاران في الحرس الثوري الإيراني بغارة إسرائيلية على منطقة السيدة زينب بريف دمشق، وهو ما يمثّل أول خسارة بشرية لإيران منذ بدء الحرب.

وفي تفاصيل الخبر:

صعّدت إسرائيل عدوانها الوحشي على قطاع غزة الفلسطيني، وركزت قصفها على مناطق الجنوب أمس، ونشرت خريطة «تفتّت» عملياً القطاع إلى وحدات سكنية صغيرة، وذلك في اليوم الثاني من انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعاً بين تل أبيب و«حماس»، وسمحت بإطلاق سراح نحو 108 من الإسرائيليين والأجانب المحتجزين بغزة مقابل الإفراج عن 270 من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وشنّ الجيش الإسرائيلي، أمس، موجة ضخمة من الهجمات ضد أهداف قال إنها للحركة الفلسطينية المسيطرة على القطاع، في وقت يبدو أن القوات الإسرائيلية البرية تتحضر لتوسيع عمليتها جنوبا، حيث يقيم نحو مليونَي فلسطيني نصفهم نازح من الشمال.

وتعرضت المناطق الشرقية من مدينة خان يونس، جنوب القطاع، لقصف مكثف طال خصوصا حي حمد السكني.

تفتيت وتصدٍّ

ووجّه الجيش الإسرائيلي رسائل تهديد لسكان عدة مناطق في القطاع تطالبهم بإخلاء منازلهم فوراً، وأرفقها بخريطة مرقمة تقسم القطاع إلى مئات المناطق الصغيرة (بلوكات)، محذراً من أنه سيبدأ «هجوماً عسكرياً ساحقاً»، على مناطق سكنهم بهدف القضاء على «حماس».

وأفاد جيش الاحتلال بمهاجمة أكثر من 400 هدف في غزة منذ انتهاء الهدنة، وأكد مشاركة قوات جوية وبحرية وبرية في الهجمات، وقال إن الطائرات الحربية قصفت «أكثر من 50 هدفا في هجوم مكثف على منطقة خان يونس».

في المقابل، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لـ «حماس»، استهداف قوات إسرائيلية شرق بلدة ماغين في غلاف غزة برشقة صاروخية، فيما تحدثت «سرايا القدس»، التابعة لحركة الجهاد، عن تصدي عناصرها لقوات برية إسرائيلية على عدة محاور بشمال القطاع.

كما استهدف القصف الصاروخي الفلسطيني مستوطنات بغلاف غزة، فيما انطلقت صفارات الإنذار في تل أبيب جراء استهدافها برشقة صاروخية.

ضحايا ومجزرة

ومع عودة غزة إلى إحصاء ضحاياها، ذكرت السلطات الصحية الفلسطينية، أن عدد القتلى جراء القصف الإسرائيلي منذ صباح الجمعة ارتفع إلى 240، والجرحى إلى نحو 650.

وذكر «الدفاع المدني» بغزة أن القصف استهدف أكثر من 20 منزلا، وقال إنه يحتاج بشكل عاجل إلى آليات للاستمرار في انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مضيفاً: «لم نستطع انتشال جثث في محيط مستشفيات القدس والرنتيسي والنصر بمدينة غزة». ووسط عجز في الوقود لدى مستشفيات، أفادت مصادر طبية بسقوط أكثر من 100 قتيل في استهداف مبنى يؤوي عائلات ونازحين بمخيم جباليا وسط القطاع. كما استهدف الاحتلال مربعاً سكنياً كاملاً في منطقة عسقولة شرق غزة.

تعثُّر التهدئة

ومع تنامي تقديرات متشائمة بشأن فرص نجاح الجهود الحالية لاحتواء الأزمة التي تهدد بجرّ أطراف إقليمية للقتال، وبانتقال تداعياتها إلى دول الجوار سريعاً، أعلن «الموساد» أن رئيس الجهاز، دافيد برنياع، أصدر تعليمات لفريقه المفاوض في العاصمة القطرية، الدوحة، بالعودة، وذلك بطلب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وزعم «الموساد»، في بيان رسمي، أن «حماس لم تقم بتنفيذ الجزء الخاص بها من الاتفاق الذي تضمّن إطلاق سراح جميع الأطفال والنساء وفق القائمة التي قُدمت إلى الحركة ووافقت عليها».

وأشار البيان إلى أن «رئيس الموساد شكر رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية، سي آي إيه، ويليام بيرنز، ووزير المخابرات المصري، عباس كامل، ورئيس وزراء قطر، محمد بن عبدالرحمن، على شراكتهم في جهود الوساطة الجبارة التي أدت إلى إطلاق سراح 84 طفلا وامرأة، إضافة إلى 24 أجنبيا».

وفي ظل تلاقي مصلحة اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل بزعامة نتنياهو وقادة الجيش والأجهزة الأمنية باستمرار الحرب، بهدف تعويض الخسائر التي لحقت بهما جراء الفشل بتوقّع وإحباط هجوم «حماس» المباغت، الذي تسبب في مقتل 1200 واحتجاز 242، أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه أمر طاقم «الموساد» بالعودة لعدم جدوى المحادثات التي قال إنها وصلت إلى «طريق مسدود».

وفور الإعلان عن تعثّر جهود إحياء الهدنة التي قالت الدوحة وواشنطن إنهما تبذلان كل جهد من أجل استعادتها، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه ستوجه إلى قطر في محاولة للعمل على هدنة جديدة قد تُفضي إلى وقف إطلاق النار في غزة. وحذّر ماكرون، على هامش مشاركته في مؤتمر المناخ (كوب 28) بدبي، من حرب تمتد لـ 10 سنوات.

حرب بلا نهاية

في موازاة ذلك، شدد الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، عوفير غندلمان، في مؤتمر بتل أبيب، على أن الحرب التي تسببت في مقتل أكثر من 16 ألف فلسطيني «مستمرة مهما طال الوقت حتى يتم تدمير حركة حماس بأكملها وإعادة المختطفين»، في إشارة إلى نحو 142 محتجزا بغزة بينهم عسكريون ورجال ومسنّون ونحو 20 امرأة وطفلين.

واستطرد قائلا: «بعد استئصال حماس وإعادة المختطفين، سيُعاد إعمار القطاع، وستكون هناك فرصة حقيقية لتحقيق حياة كريمة لسكان غزة، بعيداً عن العنف والإرهاب، وينعم أهلها بالأمان والازدهار».

وكرّر غندلمان اتهام حكومته للحركة الإسلامية بالتسبب في انهيار وقف إطلاق النار المؤقت والدمار الذي تتعرّض له غزة حالياً، معتبراً أنه «كان باستطاعتها أن تستمر في الهدنة بالإفراج عن المختطفين وتمديدها يوما آخر».

جاء ذلك غداة إعلان «حماس» أنها اقترحت أن يتم تبادل سجناء فلسطينيين في سجون إسرائيل، بمسنين من بين الرهائن لديها، وأن تُسلّم جثث رهائن قتلوا في هجوم 7 أكتوبر أو في القصف الإسرائيلي الذي تلاه. وبحسب المعلومات، رفضت اسرائيل الاقتراح، وأصرت على مبدأ النساء والأطفال أولاً.

حدود مصر

وفي حين حذّرت الأمم المتحدة من أن القتال سيؤدي إلى تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية الشديدة بغزة، أعلنت مصادر أمنية مصرية ومصادر من «الهلال الأحمر» أن أولى شاحنات المساعدات منذ انهيار الهدنة دخلت من الجانب المصري من معبر رفح إلى معبر العوجة للتفتيش من قبل إسرائيل.

وحذّر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، من أن «الهجوم الإسرائيلي على جنوب غزة قد يدفع مليون لاجئ إلى الحدود المصرية». وقال: «إذا كان هناك قتال، فمن المرجّح أن يرغبوا في الفرار إلى الجنوب وإلى ما وراء الحدود».

ذخائر وانقسام

من جانب آخر، نقل تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن الولايات المتحدة «زوّدت إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات، من بين عشرات آلاف الأسلحة والقذائف المدفعية الأخرى»، لدعمها في حربها ضد «حماس».

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن «شحنات الأسلحة شملت حوالي 15 ألف قنبلة، و75 قذيفة مدفعية»، وذلك بعد وقت قصير من هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، لافتة إلى أن «إرسال الأسلحة، ومن ضمنها الذخائر الضخمة التي تزن الواحدة منها حوالي 2000 رطل، مستمر».

ونقلت الصحيفة عن محللين أن عمليات نقل الأسلحة «قد تتسبب في تقويض ضغوط إدارة الرئيس جو بايدن على إسرائيل لحماية المدنيين في غزة».

وقال المستشار البارز في مجموعة الأزمات الدولية، المحامي السابق بوزارة الخارجية الأميركية، بريان فينوكين: «يبدو أن ذلك يتعارض مع النصائح الواردة من وزير الخارجية أنتوني بلينكن وآخرين، بشأن استخدام قنابل أصغر حجما».