بوصلة: مهنة التقييم العقاري
التقييم مهنة عقارية متجذرة في التاريخ تقوم على تحديد قيمة نقدية سوقية حقيقية للعقار بمختلف أنواعه، ويختص بأداء هذه المهنة شخص لديه رخصة وصاحب علم وخبرة في اتباع الأسس والمبادئ العلمية الصحيحة للتقييم، أما طرق وأساليب التقييم التي حددها مجلس معايير التقييم الدولية، فهي تتم إما بالمقارنة التي تستند عادةً الى بيانات حقيقية من السوق (كإحصاءات التسجيل العقاري)، وإما إلى الدخل الذي يحققه العقار، وإما إلى تكلفة البناء الذي يخصم من قيمته نسب الإهلاك والتقادم.
ولكن هل نربط مهنة التقييم العقاري بسعر أو رقم فقط؟ أم نلقي نظرة ثاقبة في أصل المهنة التي تعدت أهميتها ورمزيتها الأرقام والأسعار، وارتبطت بشكل وثيق بالأرض التي تمثل الضلع الأساسي والإبتدائي في مثلث مقومات الدولة (أرض، شعب، حكم)، حتى أصبحت من أهم طرق الاستدلال على مواطني البلد من ملاك وساكني عقاراتها.
فقد حازت وثيقة ملكية العقار (الحكومية أو العدسانية) أهمية كبرى عند التقدم لطلب الحصول على جنسية الدولة، أما من لم يملك عقاراً سكنياً آنذاك أو لم يعرف له مسكن محدد في الضواحي أو البوادي، فيقوم بمراجعة لجان تحقيق الجنسية لتقديم الوثائق والشهود حتى يقوم أعضاء اللجنة بتقييم ما تم تقديمه من أوراق وشهادات ليتم منحه درجة المواطنة والانتماء للدولة التي أقيمت على هذه الأرض.
وكان للتقييم العقاري أيضاً دور مهم في نهضة البلد العمرانية، حيث تقوم الدولة بوضع يدها على ملك خاص بقصد تحقيق منفعة عامة، وهو إجراء تقدم عليه أثناء تنفيذها مشاريع خدمات كبرى كالمدارس والمستشفيات والطرق وغيرها، فأنشأت لجان التثمين التي اعتمدت على التقييم العقاري في تثمينها للعقارات المراد استملاكها للمشاريع العامة.
أما التقييم العقاري في قطاع المال والأعمال فتعتمد عليه المصارف، حيث يتم تقييم العقار المرهون مرتين بالسنة لضمان ثبات قيمته مقابل القروض والتسهيلات الممنوحة للعملاء، في حين نجد في المقابل تباطؤا في تقييم أملاك الدولة بالشكل الدوري المطلوب مما أضعف المركز المالي للدولة بالرغم من القفزات التي حققتها قيمة موجودات الدولة العقارية في نهاية 2021، إذ سجلت نحو 47.12 مليار دينار، بنسبة ارتفاع بلغت 7% مقارنة بالقيمة المقدرة للموجودات العقارية خلال العام المالي 2020، حين كانت تقدر قيمتها بنحو 16.4 مليار دينار فقط! فلماذا تحرم الدولة ميزانيتها من فوائض المليارات الناتجة عن تقييم أملاكها وموجوداتها العقارية، وتعلن العجز عند كل تذبذب لأسعار النفط؟
لذا على خزينة الدولة المتمثلة بوزارة المالية القيام بحصر وجرد وتقييم أصول الدولة العقارية في الداخل والخارج ومراجعتها وإعادة تقييمها بصفة دورية، وذلك بالتزامن مع إحصاءات الإدارة العامة للإحصاء، ومع خطوات تجديد البلدية للمخطط الهيكلي للدولة، لضمان تطابقها واحتفاظها بقيمتها السوقية الحقيقية. هذه الخطوة ستضيف مليارات الدنانير الى إجمالي الأصول الحكومية وتدعم مركز الكويت المالي والائتماني لدى مؤسسات التصنيف العالمية، وستؤدي أيضاً إلى زيادة الإيرادات غير النفطية وتنويع مصادر الدخل.
فمهنة التقييم العقاري لا تحدد أرقام المساحات والمسطحات والعمولات فقط، بل تسهم في حفظ الهوية الوطنية للأفراد والدول، وتنمية الثروة وجذب الاستثمار وتنويع الاقتصاد وتحقيق العوائد وقيادة النهضة وتطوير المدن وتمويل المشاريع وإبرام العقود وتنظيم العلاقات بين مختلف قطاعات الدولة.