هل حان وقت المنع التام للجمع بين عضوية مجلس إدارة الشركة المساهمة وعضوية مجلس الأمة؟
يجيز الدستور الكويتي بنص المادة «121» منه الجمع بين عضوية مجالس إدارات الشركات والعضوية في مجلس الأمة، ما دامت العضوية في مجالس إدارات الشركات سابقة على عضوية مجلس الأمة، وبشرط عدم تجديدها مرة أخرى طوال شغل منصب عضو مجلس الأمة، على العكس من منصب الوزارة، إذ لا يجوز للوزير الجمع تحت أي ظرف كان بين منصبه الوزاري وشغل منصب عضو مجلس إدارة شركة.
وعزت المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي هذا الاختلاف في الحكم بين العضو النيابي والوزير إلى أن الأخير لا يمارس عملاً تنفيذياً كالوزير الذي يجب عليه البعد عن الجمع، لكيلا يقع تحت مظنة شبهة الانحراف بالنفوذ وإساءة استعمال السلطة، إضافة إلى ما تمثله التجارة من مكانة، فهي متأصلة في نفوس الكويتيين منذ القدم. لذلك، فلا مسوّغ لجعل مثل هذا المنع مطلقاً على العضو الذي يمارس مهمة تمثيلية ورقابية في البرلمان.
ويثور تساؤل حول الاختلاف في الحكم بين فوز نائب ما بعضوية مجلس الأمة مع وجود عضويات في مجالس إدارات شركات مساهمة عامة قبل العضوية، وبين عدم إمكانيته تجديد مثل هذه العضويات أو شغله لعضويات في مجالس إدارات أخرى جديدة عن طريق الانتخاب فيما يتعلق بشبهة تعارض المصالح. شخصياً، لا أرى فرقاً، فمن المتصور أن يشغل شخص ما عضوية مجالس إدارات خمس شركات مساهمة عامة مدرجة في بورصة الكويت، وهو الحد الأقصى للجمع في وقت واحد، المقرر وفقاً لنص المادة (194) من قانون الشركات الكويتي، ولمدة ثلاث سنوات، وهي مدة العضوية هنا، وبعد فترة قصيرة يفوز بعضوية مجلس الأمة لأربع سنوات، ومن ثم، سيقضي مثل هذا العضو ثلاثة أرباع فترة عضويته النيابية عضواً في مجالس إدارات شركات مساهمة عامة مختلفة. فلماذا سمح المشرع بالجمع السابق على عضوية مجلس الأمة، ولم يسمح بالجمع اللاحق؟
في اعتقادي أن المشرع الدستوري قام بذلك لوجود ضرورة، فمع اكتشاف النفط الذي حال دون تصديره تبعات الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، وما تبعه من نمو سريع شهدته الكويت في عقدَي الخمسينيات والستينيات على الصعيد المحلي، تطورت الممارسة التجارية إلى تأسيس شركات بمختلف أنواعها لمزاولة الأعمال التجارية، أهمها الشركات المساهمة العامة. ولأن العديد من رجال الكويت عملوا - وما زالوا يعملون - في التجارة، وينطبق ذلك انطباقاً دقيقاً على شريحة عريضة من أعضاء المجلس التأسيسي وأعضاء أول مجلس أمة منتخب، فإن من الصعب حرمانهم تماماً من أي من العضويّتَيْن، لأن اختيار واحدة منهما فقط سيحول إما دون الاستفادة من خبرتهم في إدارة الشركات، وإما دون دخولهم الحياة السياسية ومشاركتهم في عملية التشريع ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية على اختلافها عبر العضوية في المجلس النيابي الحديث آنذاك. ومن ثم، لا بد من الوصول إلى حل وسط يسمح بالجمع السابق فقط دون اللاحق على العضوية النيابية.
وبعد مرور ما يزيد على ستة عقود على ذلك، أصبح من اللازم إعادة التفكير في السماح للجمع بين هاتين العضويّتَيْن. فمن مثالب مثل هذا الجمع التأثير سلباً في مصالح مساهمي الشركة والناخبين من عدة نواحٍ: أولاً، قد يؤثر العمل النيابي في عمل عضو مجلس الإدارة بالشركة فيما يتعلق بالإدارة بوصفه وكيلاً عن المساهمين عندما تفوق التزامات العمل النيابي قدرةَ العضو على المواكبة بين واجباته في الشركة وما يقابلها من أعمال برلمانية متنوعة تتعلق بحضور الجلسات واللجان البرلمانية، والحاجة المستمرة إلى مقابلة الناخبين لسماع تطلعاتهم. وقد يحدث السيناريو المقابل بحيث يستغرق القيام بالعمل كعضو مجلس الإدارة في الشركات وقتاً أطول، مما يؤثر في التزاماته كعضو برلمان منتخب، أو في حضور الجلسات النيابية التي تتطلب تصويتاً على أمور مهمة، وهذا ما انتهت إليه بعض الدراسات الإيطالية والألمانية في هذا الشأن. بعبارة أخرى، يجب اعتبار المنصب النيابي وظيفة بدوام كامل A Full-Time Job بحيث يتفرغ أعضاؤها لممارسة مهامها المنوطة بهم دون غيرها. فبعض أعضاء مجالس الإدارات من السياسيين قد يرون أن دورهم في المجلس النيابي يشفع لهم إذا ما قصروا في واجباتهم المتعلقة بإدارة الشركة، وهنا تكمن المعضلة.
ثانياً، ثمّة احتمالية كبرى لتعارض المصالح في القرارات المتخذة في المنصبين، قد تفضي في نهاية الأمر إلى تَغْليبِ عضوِ مجلس الإدارة عند وجود مثل هذا التعارض مصالحَ الشركات التي يرأس مجلس إدارتها على مصالح ناخبيه، أو قد تتأثر مصالح الشركات لدى تَرْجيحه التصويتَ لما يراه صالحاً لناخبيه وللمبادئ التي يؤمن بها بوصفه نائباً. قد يؤدي ذلك إلى غياب العضو عن الحضور لكيلا يصوّت على القرارات ذات المصالح المتأرجحة، أو قد يصوت بالامتناع. لكنْ بطبيعة الحال، لن يعجب ذلك الموكلين من المساهمين في الشركة ولا الناخبين، باعتبار أن طبيعة شغله للمنصبين تزيد من احتمالية ذلك، بحيث يجعل من هذا التصرف أمراً مألوفاً بالاعتياد وليس طارئاً من الصعب تكراره. الخشية هنا تكمن في قيام تكتلات تجارية ما باستغلال مثل هذا السماح بقيامهم بدعم أعضاء مجالس إدارات شركات سبق لهم ممارسة العمل النيابي لخوض الانتخابات النيابية مرة أخرى لإحداث بلبلة لتأخير تشريعات مستحقة تراها هذه الشركات ليست في مصلحتها.
ثالثاً، إن من شأن هذا التعارض أن يزعزع ولاء عضو مجلس الإدارة للشركة بشكل أو بآخر، وهو الواجب المفروض عليه تجاه مساهمي الشركة أيضاً، والمتمثل في وضع مصالح الشركة أولاً وقبل أي اعتبار. قد يحدث عملاً أن تكون ثمّة تحركات نيابية لتعديل هرم بعض ممارسات الحوكمة في الشركات، وهذا ما يحصل حالياً في مجلس الأمة. هنا، قد يجد عضو مجلس الإدارة في الشركة والشاغل للمنصب البرلماني أنه غير قادر على الموازنة بين المنصبين بعدالة، بحيث إنّه إذا دعم مثل هذه التعديلات التي قد يراها مستحقة فعلاً لكونها ستنزل عليه رضاء ناخبيه إذا ما قرر إعادة ترشيحه مستقبلاً، فإنه قولاً واحداً يكون قد خالف واجب الولاء للشركة بتقديمه مصلحة شخصية له على مصالح الشركة التي قد ترى في مثل هذه التعديلات تقييداً لا مسوّغ له على الحرية التعاقدية وتنظيم ممارسة العمل التجاري. ولا يقتصر ذلك على قواعد الحوكمة، بل يتعداها إلى اقتراح وتنظيم وتعديل قانون الشركات وغيره من القوانين المنظمة لعمل الشركات.
رابعاً، وجود عضو مجلس الإدارة لشركة ما في مجلس الأمة كعضو منتخب من شأنه تعريض الشركات المنافسة لخطر تسريب المعلومات. فبحسب الأصل، لا يجوز لشخص أن يكون عضواً في مجلس إدارة شركتين متنافستين، إذ يزيد ذلك من خطر انتقال المعلومات من إحداهما إلى الأخرى بواسطة تحركات هذا العضو، وهذا ما نصت عليه المادة (197) من قانون الشركات الكويتي. وبحكم موقع العضو النيابي ودوره الرقابي، فبإمكانه الاطلاع على معلومات قبل إعلانها عن بعض الشركات المنافسة للشركة التي يشغل فيها المنصب، بحيث لا يعلم عنها سوى مجلس إدارتها، ومن ثم استخدامها ضد مصالح هذه الشركات.
وفي ذلك، تختلف الدول فيما بينها من حيث السماح بشروطٍ والمنع. ففي الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، يُمْنع أعضاءُ مجلس الشيوخ الأميركي منعاً مطلقاً من الجمع بين مقعد نيابي ومقعد في مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة، باعتبار منصبهم أكثر حساسية من حيث المهام الموكلة إليهم. أما أعضاء الكونغرس الأميركي فهم غير ممنوعين من الجمع، بشرط عدم تقاضيهم مقابلاً من الشركات التي يشغلون فيها المقعد. ومؤخراً، بدأت الأصوات تتعالى لفرض منع على مثل هذا الجمع، يرى مؤيّدوه أنه يجب ألا يقتصر على الشركات المساهمة العامة فقط، بل من المفترض أن يتعداها إلى غيرها من الشركات التي لا تهدف إلى تحقيق ربح، لأن هذه الشركات قد تكون لها مصالح في القوانين المعروضة على الكونغرس أيضاً.
* أستاذ القانون التجاري وأسواق المال
كلية الحقوق – جامعة الكويت