كلثوم دشتي تروي تجربتها مع الكتابة والقراءة والروماتويد
تأمل أن يكون كتابها «قارئ عليل» محفزاً للمرضى
تروي المؤلفة كلثوم دشتي تفاصيل من تجربتها مع مرض الروماتويد عبر إصدار مكوَّن من 3 فصول، بعنوان «قارئ عليل».
وقد اختارت مجموعة كتب لتكون معها في رحلة معايشتها للروماتويد، وطبقت المثل القائل إن «الكتاب خير جليس». القراءات تمت وفق تاريخ المطالعة للكتاب، والحاجة النفسية لها، وليس عبر التسلسل الزمني للصدور.
وتأمل دشتي أن يكون كتابها محفزاً للمرضى، ليأخذوا بزمام مسؤولية صحتهم بأنفسهم، وبتواضع شديد تقر بأن هدفها هو «رفع الوعي، وتحسين الحياة المعيشية لمرضى الروماتويد، وأقله فتح نقاش ومحاولة للفهم».
وتحكي علاقتها بالكتاب منذ أول مطبوع قرأته في مرحلة الطفولة، والذهاب لمعرض الكتاب سنوياً، بتحفيز من والدتها، وشعورها بالمتعة وهي تشارك وتشتري وتتفاعل مع ما يُعرض من كتب جديدة، وقد استمدت حُبها للكتاب من والدها أيضاً، والذي كان يحرص على إحضار الصحف إلى البيت.
والقراءة لديها عادة متأصلة لازمتها طوال حياتها، بدءاً من منزل والديها وشقيقتها الكبرى، وصولاً إلى مكتبة المدرسة والمكتبة العامرة التي أطلت منها على الحياة في منزلها.
واجتهدت كلثوم بمعرفة عناوين كتب أصحابها من ذوي الإعاقات البدنية والمرض، وأوردت قائمة بأسمائهم، وأضافت إليهم «مجموعات» أي منصات إلكترونية- تجمع حاملي الأمراض المناعية، حيث يتم تبادل الخبرات والآراء والأسئلة والتعلم بينهم، بحيث كانت هذه المواقع خير دليل على معرفة معاناة أصحاب المرض، وأيضاً أوردت قائمة بالمواقع الرصينة ذات الاهتمام.
تعترف بأن الشروع في تدوين كتابها لم يكن ليحدث إلا استجابة للقدر، وحاجتها إليه في ظروفها الصحية، خصوصاً عندما تضيق بها السبل، وكان الكمبيوتر لا يفارقها لأشهر وهي تدوِّن أفكارها.
تروي أنه منذ إصابتها بالروماتويد عام 1993 كانت في حالة من الشك والبحث والمقاومة، لكنها تعلمت درساً بالغاً، وهو الابتعاد عن الوقوع «بالتوقع» لما سيحدث غداً، لكي تمضي قُدماً بحياتها.
تتأمل اليوم جملة قرأتها من البدايات: «هل يعني الشفاء بالضرورة الاختفاء التام للمرض على مستوى الجسم؟». تجيب بالطبع لا. فالمعنى الحرفي للشفاء هو التكامل، أن يكون هناك شعور داخلي بالكمال والتوازن والسلام، حتى إن كان الجسم غير كامل.
تطالع كتاباً لطبيب بعنوان «المرض سوء طالع أم امتياز»، ثم تتوقف عند خلاصة قراءاتها للسير الذاتية لمرضى أجانب. أدهشها الفارق في تطور العلوم الطبية بيننا وبين الغرب، وكيف تتعامل العائلات مع وضع جديد، في ظل ثقافة مجتمعية. تستجمع كتباً ومواقف تسترشد بها في رحلتها مع الروماتويد، وتضع العنوان برأس الصفحة، وكأنها تريد توصيل رسالة لمن يهمه الأمر، وعلى سبيل المثال اختارت قول أحدهم: «عندما يتم تشخيص إصابتك بمرض مزمن، فستواجه قريباً واحدة من أكثر التجارب تواضعاً في حياتك في كونك إنساناً». وهذا كان عنواناً لسيرة ذاتية قدمت فيها الآراء والخبرات، كونها اختصاصية العلاج بالعمل من وجهة نظر المريض، ولإصابتها بالروماتويد بعُمر السنتين.
يضم الكتاب ثلاثة فصول، الأول بعنوان «قراءات بدايات الإصابة» (1993-1999). كان أكثر ما تحتاجه منذ إعلان إصابتها بالمرض، و«لملمة آلامي المبرحة في جميع مفاصل جسمي المتورمة»، وأولى قراءاتها الجدية عن المرض كانت في كتاب أخذته من معرض الكتاب، وهو من سلسلة «طبيبك» إصدار دار العلم للملايين. جذبها كتاب «7 أطباء من الطبيعة» وهي في المرحلة الثانوية، وتحدثت عنهم.
وفي الألفية الجديدة (2000-2010) لم تستسلم. كان شعارها «طالما استمر الألم استمررت في البحث والتجربة». ازداد فضولها لتعرف أكثر عن المرض. سجلت في دفتر يومياتها ما كانت تعانيه، وكلمات ذاك المعالج الذي يكرر على مسامعها أنها قادرة على الاعتماد على نفسها، وأن المشكلة في عقلها. جاءها صوت الجراح: «أنت ما فيك شيء... تحركي... امشي». في هذه الفترة ازداد نشاطها البحثي عن طريق الإنترنت، وتوجهت إلى المواقع الأجنبية للاطلاع وبشغف على الدراسات السريرية الطبية والبحوث العلمية المختصرة بشأن التهاب المفاصل.
في الفصل الثاني، وتحت عنوان «يمكنك حمل نصف ضعفك البشري في قنينة»، تسرد كفاحها المستمر مع نفسها المتألمة، لا الجسد فقط، ففي كل صباح ترتدي «لباس المحارب المؤمن» لترفع راية الرضا، مناشدة السكينة لروحها المترقبة للشفاء، بعد مفاوضات خاضتها مع نفسها وعقلها المجهد من البحث والاستجداء الدائم لأمر يتناقض منطقه مع مرض مزمن يتطور بلا توقف.
عام 2017 عرفت الطريق إلى العيادة النفسية للمساعدة، ولتضع حداً لأعراض لم تستطع معالجتها ولا تخفيفها، وكانت تمتد لشهور طوال.
أما الفصل الثالث، ففيه البوح «بالخذلان» وما عانته مرات عدة ولم تقوَ على تجاوز نتائجه، ولم يكن مجرد شعور عاطفي عابر للموقف أو الشخص، بل يصبح حملاً ثقيلاً يتمثل بها جسدياً بتيبس شديد جداً. عندها تستغيث بحقنة لتسكين الألم، ومثلما هناك بشر يخذلونك باختصاصهم، هناك أيضاً كتب تخذل قراءها. الكتاب من القطع المتوسط بـ 140 صفحة، وصادر عن مكتبة الربيعان للنشر والتوزيع.