عندما عُرضت فكرة مفادها أن ريشي سوناك هو «مرشح التغيير» أمام مجموعات التركيز (إحدى طرق جمع البيانات وتقوم على جمع مجموعة صغيرة من الناس تضم أشخاصاً من بيئات جغرافية مختلفة لدرس تفاعلاتهم حول موضوع ما)، كان الرد الشائع من جانبها هو... الضحك.
ولم يكن من الممكن أن ينجح هذا الأمر على الإطلاق بعد 13 عاماً من حكم المحافظين، وليس غريباً أن سوناك قد تخلى عن هذه الفكرة بعد ستة أسابيع فقط.
وقد كشف قبل أيام عن استراتيجيته الجديدة من خلال تعديل وزاري دراماتيكي اشتمل على العودة المفاجئة لديفيد كاميرون (كوزير للخارجية) وإقالة وزير الداخلية سويلا برافرمان، وأخذ سوناك يستعمل من جديد علامة المحافظين التجارية الأكثر أصالة، التي تتمثل في الكفاءة والاستقرار والحنكة السياسية، في الوقت الذي وظف فيه الجاذبية التي يتمتع بها كاميرون في الجدار الأزرق التقليدي لدى المحافظين في جنوب البلاد، وذلك في محاولة لمنع الديموقراطيين الليبراليين من الفوز بما قد يصل إلى 50 مقعداً في الانتخابات العامة العام المقبل. لقد كان ذلك بمنزلة تملق للحزب الذي يقوده إد ديفي (إذ جعله يبدو خطراً على الحزب الحاكم)، وكشف عن مخاوف المحافظين بشأن خطر التصويت التكتيكي (تصويت مناصري الحزب التقليديين لمصلحة خصومه بهدف معاقبته).
إلا أن هذه الخطوة أثارت غضب المحافظين اليمينيين، الذين اتهموا سوناك بـ«التضحية» بمقاعد الجدار الأحمر (معاقل النفوذ التقليدي لحزب العمال) في الشمال وميدلاندز التي استولى عليها الحزب عام 2019، وفي كثير من الحالات جاء الاتهام من نواب خائفين على المقاعد الخاصة بهم، إنهم يشعرون بالقلق من تقدم حزب «إصلاح المملكة المتحدة» Reform UK في استطلاعات الرأي، وهو الذي ورث حزب «بريكست» الخاص بنايجل فاراج، وربما يكلف تقدمه المحافظين 20 مقعداً هامشياً من خلال انتزاع أصوات منهم ما سيسمح بالتالي لحزب العمال أو الديموقراطيين الليبراليين بالفوز بها.
سيكون الأمر دائماً أصعب بالنسبة إلى سوناك في المنطقة الحمراء لا الزرقاء، إلا أن «بوريس، وبريكست، وكوربين» قد مكنوا المحافظين من غزو الشمال وميدلاندز، واليوم لا يستطيع سوناك الاعتماد على أي منهم، كما تعوقه ثروته، كما أن «بوريس أو بريكست» لم يُعجبا العديد من أنصار حزب المحافظين في الجنوب، لكن هؤلاء ظلوا متمسكين بالحزب عام 2019 لأن جيريمي كوربين لم يعجبهم، وهم لا يرون في كير ستارمر تهديداً مماثلاً.
ننتقل إلى كاميرون... وجيريمي هانت، إذ إن التخفيض في ضريبة الميراث، الذي من المرجح أن يعلنه في بيان الخريف المزمع إصداره يوم الأربعاء، يستهدف بقوة (إرضاء ناخبي المحافظين في) الجدار الأزرق.
ورأى الناخبون هناك في البداية أن سوناك هو «كاميرون رقم 2»، على حد تعبير لوك تريل، وهو مدير مؤسسة «مور إن كومون» More in Common البحثية في المملكة المتحدة، بيد أنهم يدركون الآن أن سوناك أكثر يمينية و«ليس كما كنا نعتقده»، وليس هناك من هو أفضل من كاميرون رقم 1 لطمأنتهم، والذي يُقيَم أداءه بشكل أعلى من أداء سوناك؟
ومع ذلك، قيل لي إن نهج سوناك الجديد هو أكثر دقة مما يعتقده منتقدوه اليمينيون، وينفي حلفاؤه أنه قد أسقط من حسابه مقاعد الجدار الأحمر الأربعين التي انتزعت من حزب العمال، وقد أوضح أحدهم أن «الأمر يتعلق بالاستقرار والاحترافية».
وأضاف «يمكننا أن نناشد الجدار الأحمر من دون أن نهاجم أي شخص آخر مثلما فعلت سويلا برافرمان»، ولم تكن حروبها الثقافية ناجحة في مناطق الجدار الأحمر ذلك أن الاقتصاد يشكل أهمية كبرى هناك، وسببت أيضاً نفور ناخبي الجدار الأزرق، وهذا يهدد بتكرار الانتصار الساحق الذي حققه العمال عام 1997.
وماذا يأمل سوناك؟ أن يدافع الجدار الأزرق على نحو يؤدي إلى رفع نسبة تأييد حزب المحافظين الكئيبة في استطلاعات الرأي والبالغة 23 في المئة إلى أكثر من 30 في المئة بحلول أوائل العام المقبل، وبعدها الالتفات إلى الجدار الأحمر، وتذكيرهم بفضله بانخفاض التضخم وارتفاع الأجور، وبالتالي جذب فرعي الانتصار المحقق عام 2019.
إن النهج الجديد منطقي بالنسبة إلى تريل مدير «مور إن كومون»، وهو مستشار خاص سابق لحزب المحافظين. وقال لي «إذا سقط الجزء السفلي من قاعدة (الجدار الأزرق)، فلن يكون هناك سبيل للعودة». وتابع «إنهم لا يريدون قضاء العام المقبل وهم يقاتلون على جبهتين مما سيجعلهم عاجزين عن النجاح في كليهما»، ورأى أن التركيز على الجدار الأزرق هو من قبيل «الوفاء لمن أوصلوهم إلى السلطة».
وزاد «إذا حصلوا على 30 أو 32 في المئة في استطلاعات الرأي، فستبقى اللعبة مستمرة وسيكون بإمكانهم العودة إلى الجدار الأحمر، وكي يفوز المحافظون في الانتخابات، أو حتى كي يصبحوا الحزب الأكبر، فإن ذلك يتطلب تحقق العديد من العناصر بالشكل الصحيح، وأعتقد بالتأكيد أن هذه هي أفضل فرصة لتجنب هزيمة ساحقة كالتي حصلت عام 1997».
هناك مشكلة واحدة فقط، وهي القوارب الصغيرة (المهاجرون عبر القنال الإنكليزي)، حيث يريد الناخبون في كل أنحاء البلاد إيقاف هذه القوارب، وهي السبب الأكثر شيوعاً وراء ابتعاد الذين اقترعوا عام 2019 لمصلحة المحافظين عنهم، وفي حين أن هناك دعماً قوياً في مناطق الجدار الأحمر لخطة إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، فالمحافظون في دوائر الجدار الأزرق يرجح أن يعارضوها.
ويجب على سوناك الحذر من الانجرار على طريق انتهاك القانون الدولي من خلال الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واتفاقية اللاجئين، كما اقترحت برافرمان يوم الجمعة، هناك غالبية اثنين مقابل واحد للبقاء في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ووجد مركز «مور إن كومون» أن مجموعات الناخبين كافة، بمن فيهم «المحافظون المتشددون»، سيقولون على الأرجح بوجوب أن تتبع الحكومة القانون الدولي بدلاً من المجازفة بانتهاكه.
والحق أن التخلي عن الاتفاقية سيكون له تأثير سلبي بين الناخبين الليبراليين الذين يتودد إليهم كاميرون، وذلك يعني أن سوناك سيعلق بين نارين، مرة أخرى، وهذا يسلط الضوء على عملية الموازنة الصعبة للغاية التي تواجه رئيس الوزراء، وربما سيكون من المستحيل جذب تيارات المحافظين القديمة والجديدة على حد سواء، وإذا كان على سوناك أن يختار، فإنني أعتقد أنه سينتقي اللون الأزرق، كما بتنا نعرف حالياً.
* أندرو غرايس عمل محررا سياسيا مع إندبندنت من عام 1998 حتى 2019 ومراسلا برلمانيا منذ عام 1982.